ا. م. د. سراب عبد الهادي المختار
(ليكن غذاؤك دوائك … وعالجوا كل مريض بنباتات ارضه فهي اجلب لشفائه)
ازدادت اهتمامات الوسط الطبي والمهتمين بالصحة بالنباتات الطبية والعودة الى الطبيعة لمعالجة الكثير من الامراض, بينما تعامل اجدادنا على مدى عصور كثيرة مع النباتات كمصدر طبيعي لعلاج الامراض وذلك لخلوها من التاثيرات الجانبية على جسم الانسان, لكن بسبب التطور والتقدم العلمي في القرن المنصرم في شتى الميادين بدأ الاستغناء تدريجيا عن النباتات الطبية في العلاج واستبدالها بالادوية والعقاقير الكيميائية, وكان من المتوقع ان يتراجع المرض وتزداد السيطرة عليه, لكن الذي حدث هو العكس تماما…. فقد عرف الانسان امراضا لم تكن معروفه من قبل ولا سيما الامراض المزمنة, وفي كل يوم نجد ان مراكز البحث العلمي في الدول المتقدمة ومنظمة الصحة العالمية تكشف لنا عن التاثيرات الجانبية الخطيرة للادوية الكيميائية حتى اصبحت في قائمة سوداء للادوية السامة التي يحظر استعمالها من قبل بني البشر, ولهذا اتجهت الدول المتقدمة الى النباتات الطبية والعطرية في التداوي والعلاج
تتميز النباتات الطبية من غيرها باحتوائها مركبات وعناصر كيميائية ذات تاثير طبي ووظيفي نافع داخل جسم الانسان وبالمقادير المحددة علميا والموصوفة طبيا, وتصنف المواد الفعالة (مواد الايض الثانوي) على اساس خصائصها الكيميائية وصفاتها الطبيعية الى القلويدات والكلايكوسيدات والفينولات وغيرها ولكون نسبة المواد الفعالة علاجيا منخفضة في اغلب النباتات الطبية الامر الذي شجع على البحث عن وسائل لزيادة هذه المواد الفعالة او تشجيع النبات على انتاج مواد جديدة عن طريق اختصار بعض مراحل السلسلة البنائية لهذه المواد بتجهيز النبات بوحدات بنائية يمكن ان نسميها البوادئ او المحفزات التي تسهم في بناء المواد الفعالة, او تكون مركبات (اولية او وسطية) تدخل في المسارات البنائية المؤدية لانتاج مركب معين في النبات.
ان زراعة النباتات الطبية في الحقل للحصول على المركبات الفعالة عادة يتطلب مساحة من الارض وعمليات خدمة ووقتا طويلا نسبيا حتى اكتمال نضج النبات علاوة على مخاطر الزراعة الحقلية المتمثلة في الظروف البيئية والمناخية غير المضمونة التي تؤثر سلبا في نمو هذه النباتات وحاصلها ومن ثم كمية المواد الفعالة المنتجة ونوعها. كما ان الاستخدام المتزايد والتوجه الكبير في السنوات الاخيرة الى المواد الطبية والحاجة الملحة لها اصبح يهدد وبخطر كبير النباتات والموارد الطبيعية نتيجة ازالتها وتخريب البيئة,هذا ادى الى سعى الكثير من المختصين في علم النبات الى تقديم احدث الابتكارات في مجال الاكثار والتقنيات المختبرية لتحسين انتاج المحاصيل الزراعية برؤى جديدة وحلول مبتكرة, فقد زاد الاهتمام في السنوات الاخيرة بالتطبيقات العملية للتقنات الحيوية وتعد الزراعة النسيجية من اهم هذه التقنات واكثرها تطورا والتي يمكن تعريفها بأنها عملية عزل للخلية او النسيج او العضو النباتي تحت ظروف خالية من مسببات التلوث وتعقيمه وزراعته في اوساط غذائية صناعية معقمة ايضا ومن ثم نمو وتطور الجزء المزروع تحت ظروف محددة من حيث الحرارة والضوء, كما عرفها البعض الاخر بانها الزراعة المعقمة للخلايا, الانسجة, الاعضاء ومكوناتها تحت ظروف كيميائية وفيزيائية معينة خارج الجسم الحي. تعتمد زراعة الانسجة النباتية على ظاهرة القدرة الذاتية للخلايا التي تسمى (Totipotancy) والتي تعني ان كل خلية حية من خلايا النبات لها القدرة الذاتية على الانقسام والنمو والتكشف وانتاج نبات كامل مطابق للنبات الام اذا ماتوفرت لها العوامل الملائمة من المغذيات ومنظمات النمو والحرارة والرطوبة والاضاءة. لعبت تقانة زراعة الانسجة النباتية وما زالت تلعب دورا مهما في خدمة الانسان, ولاسيما في مجال اكثار انواع عدة من النباتات لما تمتاز به هذه الطريقة من ميزات لعل من اهمها امكانية نباتات خالية من الامراض الفايروسية والمشابهة للنبات الام في وقت قصير نسبيا وفي اي وقت من اوقات السنة, فضلا عن استعمال هذه التقانة في مجالات بحثية وتطبيقية منها تربية وتحسين النبات, وانتاج العقاقير الطبية والادوية, ودراسة الجوانب الاساسية لنمو وتطور النبات والايض الثانوي, كما اظهرت تقانة زراعة الانسجة في حالات كثيرة انتاجا عاليا من المواد الايضية الثانوية مقارنة بالنبات الاصلي,اذ وصفها البعض بانها مصانع تحويل حيوي bioconversion من مركبات ذات قيمة واطئة الى نواتج ذات قيمة عالية, كما ان قسما من هذه المركبات لايمكن تحضيرها مختبريا فمن الجدير بالذكر ان الكلايكوسيدات لايمكن تحضيرها اقتصاديا بطريقة صناعية (كيميائية) او مايكروبايولوجية لذلك سيكون الحل الوحيد للحصول عليها هو استخراجها من النباتات التي تحتويها لكن بكميات قليلة, وهنا تبرز اهمية زراعة الانسجة لانتاج العقاقير والمواد الصيدلانية اذ انها تساعد على الانتاج السريع لهذه المواد والمركبات من دون تقيد بالعوامل الطبيعية مثل الموقع الجغرافي, او التغيرات الموسمية او الاجهادات البيئية. كما بينت الدراسات ان المركبات التي يتم الحصول عليها من الاجزاء النباتية المزروعة خارج الجسم الحي هي نفسها التي تنتجها النباتات النامية بالحقل يضاف اليها ان كميتها تكون اكثر واكثر فعالية في علاج الامراض نتيجة للنقاوة العالية اذا ماقورنت بتلك المصنعة في اغلب الاحيان كما ان استخلاص المركبات يكون اسهل واقل كلفة لغياب كميات من الصبغات, لذا تعد تقانة زراعة الانسجة وتوالد الخلايا والاعضاء النباتية خارج الجسم الحي اداة لاغنى عنها في انتاج مواد دوائية مشتقة من النباتات