الأستاذ المساعد الدكتور
عمار محمود الربيعي
جامعة كربلاء/كلية الإدارة والاقتصاد/قسم الاقتصاد
نيسان2020
يعيش الاقتصاد العراقي أوضاعاً صعبة ليست هي وليدة أزمة اليوم، ولكنها تركة ثقيلة تحملها نتيجة سياسات خاطئة تعود لما قبل عام 2003 وما بعده. وقد تركت اجراءات الحكومات المتعاقبة حمى الحرمان واللاعدالة الاجتماعيين نتيجة لعدم ادراك أهمية إدارة الاقتصاد وفق أنساق علمية وموضوعية سليمة. إذ بات الاقتصاد يعتاش على مصدر وحيد للدخل في سلعة أولية تتلاعب بها أمواج عاتية في الأسواق الدولية. وبقيت الأسعار المتقلبة سمة لصيقة بها. وبالرغم من السعي للتحول بالاقتصاد الى ناحية التنويع والاصلاح عبر بوابة اقتصاد السوق, وتشجيع القطاع الخاص من خلال ذكر ذلك صراحة في الدستور، الا أن الواقع العملي يشير الى أن الاصلاح والبحث في انتهاج سبل اقتصاديات السوق قد ماتت عبر سياسات عملية بعيدة كل البعد عن ما تحتاجه المبادئ السامية للإصلاح على وفق رؤية السوق كأطروحة يترافق معها تدخل الدولة لتعديل مساراتها, إذ اصبح القطاع الخاص ينوء بثقل سياسات الحكومات غير المشجعة, خاصة فيما يتعلق بحماية المنتج المحلي, وترك الباب مفتوحاً على مصراعيه للبضائع الأجنبية المنافسة سعراً ونوعاً, مما أدى الى سحب البساط من تحت أرجل الأطروحة الاصلاحية، واتجه قطاع الأعمال شأنه في ذلك شأن الدولة يلهث وراء ريع النفط الخارجي في نشاطات استهلاكية تجارية, ومقاولات لتنفيذ برامج حكومية غير منتجة للسلع والخدمات بشكل مباشر, وهو ما يعبر عنه بأنشطة اقتناص الريع Rent Seekers . وحينما طفت الى السطح الأزمة في ثلاثيتها (ثورة تشرين/اكتوبر وتراجع اسعار النفط الدولية وتفشي وباء كورونا المستجد) كان من الطبيعي جداً أن لا يجد الاقتصاد شيئاً يعتد به بشكل صلب ليتكئ عليه. إذ بالرغم من أن العراق يعتبر رابع أكبر بلد مصدر للنفط عالميا، فهو لا يمتلك صندوقاً سيادياًSovereign Fund كما هو حال أغلب الدول النفطية مثل السعودية والكويت والإمارات وغيرها، ولم يستطع أن يفاوض بنجاح في أطار جولات التراخيص النفطية لزيادة الانتاج وتكوين طاقة انتاجية فائضة يستطيع من خلالها أن يناور في ظل عضويته في منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط، إذ بالرغم من انفاقه ما يقارب 80 مليار دولار على تطوير الحقول النفطية خلال المدة 2010-2018 لكن لم تزدد نسبة الانتاج العراقي إلا بحدود 2 مليون ب/ي تقريبا. أما احتياطيات البنك المركزي العراقي فهي ليست من السعة الكافية لمواجهة ازمة قد تطول لأكثر من سنة، إذ يقدر احتياطيه بنحو 70 مليار دولار نصفها تقريباً مستثمرة في سندات الخزانة الامريكية. أما الدين العراقي الداخلي فيقدر بنو 40 ترليون دينار. وهذا يثير سؤالاً عن مدى قدرة الحكومة على اصدار وثائق دين جديدة في ظل إدارة للاقتصاد غير ذات وزن، مع التراخي في القدرة المالية للحكومة اتساقاً مع الايراد الهابط, بسبب نزول أسعار النفط بعد أزمة جائحة كورونا العالمية, والنزاع على اسواقه من قبل هذا. وهكذا, فبعد أن كان سعر النفط يراوح بحدود 60 دولاراً للبرميل في عام 2019، أصبح بحدود 25 دولاراً في الربع الأول من عام 2020 متزامنا مع أزمتي كورونا والنزاع على اسواقه من قبل الاطراف الكبيرة (السعودية وروسيا والولايات المتحدة). وبالتالي فإن العراق أمام وضع مالي صعب للغاية خلال عام 2020, لاسيما مع التوقعات العالمية التي تشير الى أن الأزمة الصحية وتأثيرها على الاقتصاد العالمي ومن ثم الطلب على النفط سوف تبقى الى نهاية عام 2020 في أفضل السيناريوهات .
وفي ظل هكذا وضع فأنه يمكن بيان حزمة من الحلول الآنية والمستقبلية من أجل تفادي المنزلقات الخطيرة والتخفيف من حدتها.
1-الركون الى موازنة عامة استثنائية للازمة تتقلص فيها أبواب النفقات المتصلة بالإيفادات والنثريات والاثاث الى أدنى الحدود في ظل سعر للنفط يحوم حول 25 دولارا، إذ يجب التركيز على قضية ايفاء الرواتب والأجور والانفاق على نظم الرعاية الصحية اللازمة لمواجهة وباء كورونا المستجد، فضلاً عن تأمين مفردات البطاقة التموينية وشبكة الرعاية الاجتماعية. وبنفس الاطار يتم الغاء الموازنة الاستثمارية لهذا العام من أجل تعزيز الفقرات التشغيلية .
2-اعادة النظر برواتب وامتيازات الرئاسات الثلاث والملحقيات والسفارات .
3-انتهاج سياسة تجارية خارجية تتمحور حول التشديد في مراقبة المنافذ، وفرض تعريفات عالية على السلع الكمالية وغير الضرورية, من أجل تخفيض الضغط على نافذة بيع العملة والمحافظة على الاحتياطيات، وفي السياق نفسه خفض التعريفات على السلع الوسيطة والأولية لتشجيع عمليات الانتاج الوطنية في سبيل تعزيز دورات الدخل والناتج محلياً .
4-محاولة تعزيز الايرادات غير المرتبطة بالنفط بشكل آني وبشكل استراتيجي طويل المدى من خلال اجراء اصلاحات ادارية واقتصادية في القطاع العام، وتحسين الاستيفاء من القطاع الخاص بعد نضوجه .
5-المفاوضة على اعادة جدولة للديون وتأجيل دفع استحقاقات الكويت الى ما بعد الأزمة .
6-ضخ سيولة في الاقتصاد بفائدة صفرية أو رمزية بمعية البنك المركزي لتعويض انخفاض الايرادات وتنشيط القطاع الخاص الرسمي، وغير الرسمي بآلية تساقط الثمار .
7-استعانة الحكومة بالاستدانة الداخلية عن طريق طرح حوالات وسندات جديدة، وشراء المركزي للأوراق المالية من السوق الثانوية .
8-الغاء الامتيازات التجارية للدول المجاورة بإعادة الرسوم الجمركية واستحصال قيم النفط المصدر بشكل كامل، وتفعيل سمات الدخول (الفيزا) لاسيما في أوقات الزيارات الدينية لتعزيز التعبئة المالية.
9-محاولة انشاء صندوق سيادي في المستقبل، واشاعة ثقافة شد الأحزمة على البطون من أجل تقليص نزعة الاستهلاك للسلع غير الضرورية.
10-تشجيع استراتيجية التنمية بقيادة التصنيع ، وتوفير الدعم الملائم لإقامة المدن الصناعية.
المصادر:
1-البنك المركزي العراقي www.cbi.gov
2-شبكة الاقتصاديين العراقيين www.ien.com
3-مظهر محمد صالح، الاقتصاد الريعي المركزي ومأزق انفلات السوق، بيت الحكمة ، بغداد، 2011 ، صفحات متفرقة.