اسم الكاتب (المؤلف) :
أ.د ضياء عبدالله عبود الجابر
الكلية: كلية القانون
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة في العالم في جميع الأصعدة، ومن بينها السياسة الجنائية بأنظمتها المتنوعة والمتعلقة بالعدالة الجنائية، سواء أكانت الاجرائية أم الموضوعية، وبالتحديد العقابية منها، ظهر ما يعرف بالسوار الالكتروني، ليمثل نقلة نوعية في هذا الاطار، وهو عبارة عن أسورة الكترونية توضع في يد او قدم او رقبة الشخص المتهم لتنفيذ أمر التوقيف الصادر بحقه، او المحكوم عليه لتنفيذ الحكم النهائي الصادر بحقه عن عقوبة مقيدة للحرية قصيرة المدة ، ويتم اعدادها وضبط معلوماتها ومراقبتها الكترونيا من قبل الجهات التحقيقية او القضائية او العدلية المختصة.
أو هو نظام قانوني الكتروني يسمح للموقوف او المحكوم عليه الاستفادة من التنقل وحرية الحركة في نطاق جغرافي محدد، وذلك من خلال جهاز مخصص لذلك يثبت في معصمه او اسفل قدمه او رقبته
كما عرف بانه استخدام لنظام المراقبة الالكترونية للموقوفين والمحكومين من خلال استخدام تقنيات الكترونية حديثة ويكون بديلا للإجراءات التقليدية تحقيقية كانت ام تنفيذية للأحكام العقابية النهائية الصادرة في المؤسسات العقابية، وفقا لشروط محددة في حالة مخالفتها يتم الغائه والعودة للإجراءات التقليدية.
وعرفه البعض من خلال النظر اليه كعقوبة منزلية بأنه بقاء الشخص في منزله مع تحديد نطاق تحركاته من خلال المراقبة الالكترونية وارسال الاشارات للجهة المراقبة ومكان وجوده.
ان هذا النظام ظهر في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن الماضي ، ولكنه برز بشكل واضح في عام 1971 على يد الاخوين (شواتزجبل) من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الامريكية اللذان اعدا نظاما للاتصالات اللاسلكية وقاما بتجربته في ولاية بوسطن على اثنتي عشر محكوما عليه من الشباب والذين استفادوا من نظام الافراج المشروط، ، الا ان الفضل الحقيقي في ظهوره يعود للقاضي ( جاك لوف) عام 1977 في ولاية نيو مكسيكو عندما نجح في اقناع احد صانعي البرامجيات في الولايات المتحدة بإنتاج جهاز ارسال واستعماله في شكل اسورة توضع في معصم اليد، وفي عام 1983 قام القاضي بتجربته على خمسة من المتهمين كإجراء بديل للحبس المؤقت وقد نجحت هذه التجربة مما ادى الى اعمامها في الولايات المتحدة منذ ذلك الحين لحد الان.
كما عرفته بعد ذلك كل من بريطانيا وكندا عام 1989،والسويد عام 1994، وهولندا عام 1995، وفرنسا عام 1997،وتركيا ،كما اخذت به العديد من الدول العربية كالجزائر بين عامي 2002-2018 ،والامارات العربية المتحدة.
وعلى الرغم من الاختلاف في طبيعة هذا الاجراء كونه عقوبة ام تدبير
ومن خلال التدقيق والموازنة بين فوائد او ايجابيات هذا النظام وسلبياته التي اثارها البعض بخصوص مدى فاعليته في تحقيق اهداف الاجراءات التحقيقية الاحتياطية( التوقيف)، او اهداف واغراض العقوبة في الاصلاح والردع وزيادة التكاليف المالية عند اللجوء اليه، نجد ان فوائده اكثر من سلبياته التي اثارها البعض، فهو نظام بديل للإجراءات الاحتياطية المقيدة للحرية كالتوقيف، او ما يسمى بالحبس الاحتياطي او الاعتقال التحفظي في بعض التشريعات الاجرائية الجنائية او الجزائية، او للأحكام النهائية بالعقوبات المقيدة للحرية قصيرة المدة بالحبس، وما يترتب عليها من سلبيات الاختلاط واكتساب الاجرام للموقوفين او المحكومين ، كما انه يساهم في معالجة مسألة الاكتظاظ الموجد في المواقف (التسفيرات)، او المؤسسات والمنشآت العقابية، لاسيما ونحن نعيش حاليا في ظل جائحة كوفيد19، كما انه يسهم وبشكل ايجابي في عودة الشخص واندماجه في المجتمع بشكل سريع وفعال ، كما ان يحافظ على احترام حقوق وحريات الافراد بشكل افضل وانسب من الاجراءات التقليدية، والعمل بهذا النظام يسهم وبشكل فعال وكبير في ادخال واستعمال التكنولوجيا المتطورة في اجراءات العدالة الجنائية مما يجعلها تواكب تلط التطورات الحاصل تحقيقا لأهدافها المنشودة، وهو امر مهم وضروري جدا فالتكنلوجيا لابد ان تكون في خدمة العدالة الجنائية.
إن لجوء السلطات المختصة لدينا في العراق الى مثل هكذا نوع من الانظمة الاجرائية والعقابية الالكترونية، سواء فيما يتعلق بالتوقيف الالكتروني، او الحبس المنزلي الالكتروني، او المراقبة الالكترونية يمثل نقلة نوعية وتطورا تكنولوجيا لابد منه كما نرى في ظل التطورات الهائلة والمتسارعة في تكنولوجيا المعلومات، وعلى الجهات ذات العلاقة ان تبدأ بأخذ الخطوات اللازمة للدخول في هذا المجال رغم الصعوبات والاشكاليات التي قد تواجهها ، ولكننا نراه حل وطريقة ضرورية لمواكبة التطورات من اجل تحقيق العدالة الجنائية في افضل طرقها واساليبها الحديثة، وهو ما سبقتنا اليه العديد من الدول الغربية والعربية، وحققت من خلاله ايجابيات وفوائد كثيرة بهذا الخصوص، على ان يراعى في تشريع القانون الخاص بذلك، الدقة في الصياغة التشريعية والتنظيم الواضح من حيث الاحكام الواردة فيه، مع ضرورة توافر البنى التحية والكوادر التخصصية في هذا المجال، وهو امر ليس بالمستحيل رغم ما قد يرافقه من صعوبات او معوقات، ويمكن الافادة من تجارب الدول التي لديها مثل هكذا تشريعات.