م. د حيدر مهدي حدواي
مركز الدراسات الاستراتيجية
تعد الوظيفة العامة أمانة مقدسة و خدمة اجتماعية، حيث نص المشرع عليها في العديد من القوانين ومن أهمها قانون الخدمة المدنية المعدل وقانون الخدمة الجامعية المعدل، وقوانين أخرى ساندة لها تنصت على مدة التجربة للمعينين الجدد، التي يجب المرور بها بحكم القانون, عليه يمكن لنا تعريف مدة التجربة بأنها عبارة عن مدة زمنية محددة تهدف من خلالها للتأكد من مدى كفاءة واخلاق وصلاحية موظفي الخدمة الجامعية من إداء أعمالهم الوظيفية الملقاة على عاتقهم . بناء على كل ما تقدم تبين لنا أن مشرعنا العراقي لم يترك الحبل على الغارب كما يقال لجهة الإدارة لتتصرف حسب ما تشتهي هي بحجة ان لها سلطة تقديرية مطلقة والتي سوف تنفذ قراراتها من خلالها , بل فرض عليها المشرع نوعين من الرقابة الإدارية والقضائية في نفس الوقت ومن دون وجود أي استثناء يرد عليها وبدلالة المادة (100) من دستور جمهورية العراق وهو مبدا دستوريا ثابتا في العراق.
يتضح لنا أن مدة التجربة تخضع للشروط الإجرائية عند صدور قرار التعين والمباشرة في العمل الوظيفي من قبل موظف الخدمة الجامعية , وأيضا من جانب اخر تخضع للشروط التطبيقية العملية والتي تشمل اخضاع موظفي الخدمة الجامعية المعين للمرة الأولى أو المستقيل من وظيفته السابقة التي كان يعمل بها للتأكد من مدى ملائمة للعمل الوظيفي المسند له من قبل جهة الإدارة علما مدة التجربة في قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل إذ نص بالمادة (14) منه على أن ” …. يكون الموظف عند أول تعينه تحت التجربة لمدة سنة واحدة …..” كما تطرق مجلس الدولة العراقي في احدى قراراته ذي الرقم77/ 22/ 2006 بان( مدة التجربة تسري على الموظف المعين لأول مرة ) وكذلك كان للقضاء الإداري متمثلا بالمحكمة الإدارية العليا بصفتها التمييزية بوجب خضوع موظف الخدمة الجامعية لمدة التجربة وبحكم القانون .وسوف نعمل على البحث عن أنواع القيود الواردة على الموظف الجامعي خلال مدة التجربة بحكم القانون تطبيقا لقاعدة (لاجتهاد بمورد النص) وأيضا قاعدة (الجهل بالقانون ليس بعذر).
أولا- قيد منع العلاوة السنوية له : حيث نصت المادة (5) من قانون الخدمة المدنية المعدل على أن ” يمنح الموظف علاوة سنوية في أحدى الدرجة التي يشغلها عند أكمله سنة تجربيه … ولا تمنح العلاوة ألا بموجب توصية يقدمها الرئيس المباشر للموظف ” عليه يتبن لنا أن الموظف المعين لا يمكن بأي حال من الأحوال منحة العلاوة الا بعد تحقيق شرط وجود التثبيت له والذي بدوره يتطلب وجود خدمة فعلية له بينما العلاوة كما هو متعارف عليه يستحقها الموظف نتيجة سنوات الخدمة لديه في الوظيفة العامة ، سواء كانت خدمة فعلية ام خدمة وظيفية.
ثانيا- قيد منع الترفيع السنوي له : لا يجوز الترفيع السنوي المقرر اسوة بأقرانه من الموظفين الجامعين الباقين المثبتين , والعلة تكمن في ذلك بكونه لا يزال يمر في مدة التجربة ومستمرا بها دون توقف , لأنه ترفيعه خلال هذه المدة يتعارض مع الحكمة من وضعه تحت التجربة وهي للتأكد من صلاحيته لتولي الوظيفة العامة , لان القول خلاف ذلك يعطي دليلا قاطعا على كفاءته للوظيفة المسندة اليه .
ثالثا- قيد المنع من الترقية : لا يمكن له المطالبة بالترقية من جهة الإدارة لكونه لم يتم تحقيق استفاء للشروط المطلوبة منه ومنها أستفاء مدة التجربة بموجب نص المادة (15) من قانون الخدمة المدنية لإن صلاحيته للعمل الوظيفي وهي شرط من الشروط الأساسية للترقية العلمية .
رابعا – قيد الإعارة : ان تعليمات قانون الخدمة المدنية ذي العدد(11) لسنة 1960 الفقرة ( ثالثا) وكذلك نص قانون الموازنة العامة لسنة 2023 على مسألة إجازة اعارة الموظف خلال مدة التجربة لجهة أخرى بناء على طلبة أو بناء على طلب الإدارة نفسها , ولكن السؤال الذي يظهر لنا والمتمثل بكيف يتم احتساب مدة التجربة سنة كاملة وهو لدية اعارة خارج دائرته ؟….. الجواب هو : كان يتعين على من أصدر التعليمات من الجهات ذات العلاقة والمتعلقة بجوز الإعارة له أن يرعي استقرار الأوضاع القانونية للموظف المتعين جديدا و يرومون الذهاب للإعارة خارج نطاق عملهم الوظيفي والانتظار حتي انتهاء مدة التجربة البالغة سنة واحدة وبعدها يتم السماح لهم بالإعارة ومن جانب اخر هذا يعد استثناء خطير يقع على قانون الخدمة المدنية نص المادة (38) منه الذي هو أصلا لا يسمح بإعارة الموظف الجامعي الا بعد مرور سنتين بعد الثبيت .
خامسا : قيد عدم التعاقد مع الجامعات الأهلية من الباطن مع العلم هو موظف جامعي وهذا بحد ذاته مخالف للقانون الا ما ستثنى منه بقانون يسمح بذلك ، وهو ما معمول به حاليا .
سادسا- قيد عدم التكليف لتولي المناصب الإدارية باستثناء الدرجات الخاصة التي تتطلب أصلا وجود الخبرة الطويلة لدى الموظف :
إن الغاية الأساسية التي يسعي اليها المشرع في ممارسة أي عمل إداري قانوني هو تحقيق المصلحة العامة دون أن يتعدى سواها و لا يجوز الاي جهة إدارية تجاوزها وتحت أي ذريعة إذا لا تدخل ضمن نطاق السلطة التقديرية الممنوحة لجهة الإدارة ومنها سلطة التكليف له بنوعية وكالة أم أصالة , لكونها تقع خارج نطاق السلطة التقديرية التي حددها المشرع ب( عنصر السبب وعنصر المحل وعنصر الاختصاص ) هذه العناصر الثلاثة الموجودة في القرار الإداري هي التي تتمتع فيها الإدارة بالسلطة التقديرية , مع وجو استثناء على عنصر الاختصاص حيث يكون للإدارة سلطة تقديرية جزئية وليست مطلقة , أما ما يخص عنصري القرار الإداري ( عنصر الشكل وعنصر الغاية ) فلا توجد أي سلطة تقديرية لجهة الإدارة مهما قل او علا شانها أن تتدخل فيهما مطلقا , عليه يمكن لنا حصر الحالات التي لا تسمح للسلطة الرئاسية سوء كانت الأدنى أم الأعلى أن تخالف نصوص القوانين التي تلزم تطبيق مدة التجربة للمعين الجدد والمتمثلة في :
أولا- أن الحقوق التي يتمتع بها الموظف المعين تحت التجربة غير المثبت على الملاك الدائم هي أقل نسبيا من الحقوق التي يتمتع بها الموظف المثبت على الملاك الدائم الذي سبق له وقد اجتاز مدة التجربة بنجاح .
ثانيا- أن فترة مدة التجربة التي نص عليها قانون الخدمة المدنية النافذ بموجب المواد (14/ 15/) منه تعتبر فترة التجربة هي فترة تهيئة واختبار له تستهدف لتحقيق الجوانب للوظيفة المرشح لها .
ثالثا- عدم تحقق مبدأ المصلحة العامة الذي يعد المبدأ العام في أي عمل قانوني تسعى اليه الإدارة وهو من النظام العام الذي لا يمكن لأي جهة إدارية مخالفته وبخالف ذلك فإن الإدارة ها هنا قد خالفت القوانين ذات العلاقة جهرا نهارا التي تنص على الزام احترام النظام العام وعدم تجاوزه تحت أي ظرف كان .
رابعا – ما هو القول عند تكليف الموظف المعين تحت التجربة وقامت جهة الإدارة بعدم التثبيت أو قامت بالتمدد له مدة 6 اشهر أخرى ولأي سبب كان عندها سوف تظهر لنا حالة هو انعدم الثقة بالإدارة وهو ما لا يسمح به القانون مطلقا بل ويحذر منه بشدة .
سادسا- نص قانون الخدمة الجامعية النافذ في احدى مواده على ضرورة وجود شرط نشر بحث وغيرها من الأمور الأخرى التي ينص عليها القانون .
سابعا- ان علة فرض المشرع العراقي لمدة التجربة هو بغية اكتساب الخبرة بناء على توافر تقادم العامل الزمني والمقرر بسنة كاملة قابلة للتمديد ستة أشهر عند الضرورة وعندها يتقين لجهة الإدارة أن هذا الموظف اصبح أهلا لتثبيته على الملاك الدائم .
ثامنا – لا تملك الإدارة اعفاء موظف الخدمة الجامعية من شرط التجربة وبالمقابل موظف الخدمة الجامعية لا يستطيع التهرب من عدم تنفيذ شرط التجربة لكونه من النظام العام ولا يحق مخالفته بأي شكل من الإشكال .
تاسعا- – أن القرار الإداري بحق المعين تحت التجربة مثلا ” الإمر الجامعي ” هو يعد من احد اشكال (الاختصاص الجماعي ) في اتخاذ القرار والذي يتطلب اتخاذه وجود أكثر من جهة إدارية أدني التي ترفع الطلب إلى الجهة الرئاسية الأعلى و التي على ضوئه يتم إصدار القرار الإداري النهائي , عليه فإن المسؤولية تضامنية أتجاه تحقيق مخالفة القانون من قبل الجهتين الإدارية الأدنى والاعلى على حد سواء .
عاشرا – محل القرار الإداري قيد مهم جدا يقع على عاتق الإدارة هو عدم مخالفته مخالفة مباشرة عن تطبيق القانون والذي ينص بدلالة المادة (14/ 15) من قانون الخدمة المدنية المعدل على كون المتعين يبقي تحت مدة التجربة سنة كاملة قابلة للتمديد ستة اشهر وهذا القيد هو من النظام العام لا يجوز مخالفته من قبل الإدارة بالاتفاق أو بالتنازل عنه لأنه حق افره القانون ومن النظام العام .
حادي عشر – أن مجلس الدولة العراقي ومحكمة قضاء الموظفين ومحكمة التمييز الإدارية العليا العراقية كلها تنص على ضرورة التقيد ببقاء الموظف المعين تحت التجربة مدة سنة كاملة وهي من النظام العام لا يجوز مخالفتها أو التنازل أو الاعفاء منها باعتباره لم يكمل متطلبات التعين بعد بشكل نهائي وقد يصدر بحقة انهاء العمل الوظيفي والاستغناء عن خدماته في حالة فشالة في اجتياز مدة التجربة بنجاح .
المصادر :
1- قانون الخدمة المدنية ذي الرقم 24 لسنة 1969 المعدل .
2- دستور جمهورية العراق لسنة 2005
3- قانون الموازنة العامة لسنة 2023 .
4- تعليمات قانون الخدمة المدنية ذي العدد(11) لسنة 1960 المعدل .
5- د. ماهر صالح علاوي , سكوت الإدارة العامة في القانون العراقي , مجلة العلوم القانونية , العدد 2, 1994.
6- د. غازي فيصل مهدي , وضع الموظف تحت التجربة في قانون الخدمة المدنية , دراسة مقارنة , مجلة التقني , ع3, س2 , 1989 .