المعالجات التشريعية للحد من ظاهرة الطلاق في العراق

الأستاذ الدكتور حيدر حسين كاظم الشمري
كلية القانون – جامعة كربلاء

يعد الطلاق من الظواهر الاجتماعية التي لم تخل منها المجتمعات الماضية ولا الحاضرة على اختلاف في طرق وأدوات الإيقاع . فالطلاق الذي شرعه الله تعالى كان لأسباب معينة خاصة عندما تنتهي العلاقة بين الزوجين الى طريق مسدود لا مناص من الطلاق ، لكنه اصبح في ظل المجتمعات المعاصرة خاصة العربية منها والإسلامية ظاهرة مألوفة جداً بل ومنعطفاً خطيراً نحو استعمال هذه الوسيلة التي اعتبرها الباري عز وجل ابغض الحلال هو لاتفه الأسباب واقل المشاكل ما ضاعف من عدد حالات الطلاق حتى بات القضاء العراقي يسجل في السنوات الخمسة الأخيرة عشرات الالاف من حالات تصديق الطلاق وهذه تسمى بأعداد الطلاق الرسمية ناهيك عن الاعداد الأخرى التي تقع ولا تسجل خاصة في الأرياف والقرى النائية او القبائل الرحل ومن في حكمهم.
وبعيدا عما قيل من أسباب لوقوع ظاهرة الطلاق ،فان الذي يعنينا هنا هو مدى النجاح الذي حققه المشرع العراقي ،بمختلف مراحله الزمنية بعد نفاذ فانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل والنافذ، في الحد من هذه الظاهرة او تقليل وقوعها . وجوابا نقول ان المعالجات التشريعية يمكن ادراجها في مرحلتين :
الأولى ، المرحلة السابقة او المعاصرة لوقوع الطلاق
الثانية: المرحلة اللاحقة على وقوعه
فالنسبة للمرحلة الأولى نجد ان المادة 35 منه نصت على ان (لا يقع طلاق الأشخاص الآتي بيانهم: 1- السكران و المجنون والمعتوه والمكره ومن كان فاقد التمييز من غضب أو مصيبة مفاجئة أو كبر أو مرض . 2- المريض في مرض الموت أو في حالة يغلب في مثلها الهلاك إذا مات في ذلك المرض أو تلك الحالة وترثه زوجته ). رغم ان المشرع في إقليم كردستان العراق قد أوقع طلاق المريض مرض الموت و من في حكمه وقضى بإرث مطلقته منه وذهب في المادة 36 الى انه (لا يقع الطلاق غير المنجز أو المشروط أو المستعمل بصيغة اليمين .) وفي المادة 37 أشار الى انه (1 – يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات . 2 – الطلاق المقترن بعدد لفظا أو إشارة لا يقع إلا واحدة . 3 – المطلقة ثلاثا متفرقات تبين من زوجها بينونة كبرى).
اما فيما يخص المرحلة الثانية والتي هي بعد وقوع الطلاق نجد ان المشرع العراقي نظمها في خطوتين
الأولى: تنظيميه : حيث نصت المادة 39 منه على ان ( 1 – على من أراد الطلاق أن يقيم الدعوى في المحكمة الشرعية بطلب إيقاعه واستحصال حكم به فإذا تعذر عليه مراجعة المحكمة وجب عليه تسجيل الطلاق في المحكمة خلال مدة العدة .)
والذي يفهم من هذا النص ان إيقاع الطلاق يكون اما امام المحكمة المختصة وهي دعوى إيقاع طلاق يقيما الزوج على زوجته ويوقع طلاقه امام القاضي وهي نادرة الوقوع وربما تحصل بمناسبة دعوى أخرى بين الزوجين كدعوى النفقة او طلب التفريق .
وقد يكون إيقاع الطلاق خارجيا ،أي عن طريق رجل الدين ومن ثم يتم تصديق الطلاق امام المحكمة سواء اثناء العدة ام بعدها، وسواء اكان المدعي هو الزوج ام الزوجة. وهذه اكثر الحالات شيوعا في العراق، ويلاحظ على دعوى تصديق الطلاق الخارجي الملاحظات الاتية :
المشرع وان اوجب تصديق الطلاق الخارجي خلال فترة العدة، الا انه لم يضع عقوبة على الزوج المطلق في حالة عدم تصديقه خلالها ما يعني ان الامر مفتوح لمدة غير محدده فيمكن ان يقع الطلاق وبعدها بعشر سنين يصدق. فكان لزاما معاقبة من يخالف ذلك. لذا نرى النص في هذه المادة على إضافة فقرة أخرى تنص على انه (يعاقب المخالف لأحكام الفقرة (1) من هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة او الغرامة التي لا تزيد عن مليون دينار او بكلا العقوبتين) ، كما نقترح الزام رجال الدين بإيداع نسخة من ورقة الطلاق لدى محكمة الأحوال الشخصية التي يعمل ضمن موقعا وذلك منعا للتحايل على القانون التي يحاول البعض ايهام الاخرين بها.
ان هذه الدعوى هي كاشفة للطلاق لا منشاة له كما لو اوقعها الزوج امام المحكمة، أي ان العبرة بالطلاق من تاريخ ايقاعه لا من تاريخ تصديقه وعليه فالعدة تبدأ من تاريخ إيقاع الطلاق لا من وقت إقامة الدعوى او صدور الحكم.
سلطة القاضي تكون مقيدة فقط من التحقق في توافر شروط الطلاق بعد استداء رجل الدين وحضور شاهدي مجلس الطلاق ان أمكن ذلك، اما عرض الزوجين على الباحثة الاجتماعية فهو من باب الوقوف على أسباب الطلاق وبيان الطرف المتعسف وامكانية الإصلاح بينهما.
قرار الحكم بتصديق الطلاق من عدمه لا يخضع للتمييز الوجوبي حاليا وانما لذوي العلاقة الطعن بالحكم حسب طرق الطعن القانونية .
اشارت المادة (39/2) اعلاه على انه ( تبقى حجة الزواج معتبر إلى حين إبطالها من المحكمة ).ويلاحظ على هذه الفقرة انها توحي ان عقد الزواج يبقى نافذا لأثارة المالية وغير المالية مالم يصدق الطلاق وفي الحقيقة ان هذه الفقرة هي مثلمة في القانون وانها لا قيمة لها ذلك ان الزوج لو طلق زوجته في 1/1/2011 وصدق الطلاق في عام 2020 فوفق هذه الفقرة تبقى الزوجة المطلقة مستحقة لنفقتها كل هذه الفترة او ثبوت حق الاستمتاع ام غيرها وهذا عير صحيح لان احكام الطلاق هي من مسائل الحل والحرمة وانها تبتدأ من تاريخ الطلاق وان تصديقه له اثر رجعي فالزوجة بعد الطلاق لا تستحق نفقة بل لها نفقة العدة ان كان مدخولا بها .
عليه نرى ضرورة تعديل الفقرة الثانية أعلاه اما بالحذف او بالنص على انه ( تبقى حجة الزواج معتبر لحد تاريخ ايقاع الطلاق اما امام القاضي او الخارجي ).
اما الخطوة الثانية فهي بمثابة تعويضات اقرها المشرع لصالح المطلقة وهي أيضا تعد وسيلة ضغط على الزوج وتشمل
التعويض عن الطلاق التعسفي
نصت المادة (39/3) من قانون الاحوال الشخصية على انه (اذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة ان الزوج متعسف في طلاقها وان الزوجة اصابها ضرر من جراء ذلك، تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المالية ودرجة تعسفه، يقدر جملة، على ان لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى) . وهذه الفقرة أضيفت الى هذه المادة بموجب المادة (1) من قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية النافذ رقم 51 لسنة 1985 . ويلاحظ على إقليم كردستان انه وفق التعديل الأخير لقانون الأحوال الشخصية عدل المادة (39/3) وأصبحت كالاتي (3- اذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة ان الزوج متعسف في طلاقها وان الزوجة اصابها ضرر من جراء ذلك تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المالية ودرجة تعسفه يقدر جملة على ان لا تقل عن نفقتها لمدة ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات علاوة على حقوقها الثابتة الاخرى.)واضاف فقره4 نصت على انه (4- تلتزم حكومة الاقليم برعاية المطلقة التي لا تملك دخلاً شهرياً ويخصص مبلغ شهري لها من قبل الرعاية الاجتماعية ولغاية ايجاد فرصة عمل لها او زواجها.). وهو براينا من الأمور الحسنة التي نامل من المشرع العراقي ايرادها في قانون الأحوال الشخصية النافذ.
ويفهم من هذه المادة ان الزوج يعوض زوجته في حالة طلاقه لها . فيمكن تعريف الطلاق التعسفي بانه (مبلغ من المال يقدر جزافا يدفع للزوجة التي يطلقها زوجها طلاقا تعسفيا بما يساوي نفقتها مدة من الزمن). ويشترط لتطبيق هذه الفقرة ما يلي:
ان يوقع الزوج بحق زوجته طلاقا بارداته المنفردة: اما لو أوقعت الزوجة الطلاق بما فوضت به او وكلت به او كان الطلاق باتفاق الزوجين(مخالعة) او بأمر القاضي (تفريق قضائي) فلا يشمله النص.
ان يكون الزوج متعسفا بإيقاع الطلاق: أي ان القصور لا يعود للزوجة بل من الزوج ، فان كانت الزوجة هي سبب الطلاق او لم يكن متعسفا فلا يطبق النص، ويستتبع التعسف الحاق المطلقة بضرر بل ان القضاء العراقي اعتبر قيام الزوج بإيقاع الطلاق بحق زوجته خارج المحكمة لدى رجل الدين وبغيابها تعسفا منه في إيقاع الطلاق .
ان تطلب الزوجة المطلقة التعويض : سواء اكان في ذات الدعوى المقامة بتصديق الطلاق او دعوى مستقلة ،فلا يحكم به القاضي من تلقاء نفسه .
مع ملاحظة ان الحكم بالتعويض التعسفي يكون جزافا كمبلغ مقطوع تقدره المحكمة بالاستعانة بالخبراء بما لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين يراعى فيه حالة الزوج المالية. ويلاحظ على التعويض التعسفي انه لاقى معارضة من قبل العديد من رجال الدين والاوساط القانونية والاجتماعية على اعتبار ان الطلاق حق للزوج فلا يجوز من استعمل حقه ان يعتبر متعسفا ويعوض الزوجة ولكن المحكمة الاتحادية العراقية قضت بمشروعية هذا التعويض .
المهر المقوم بالذهب
قرار مجلس قيادة الثورة 127 لسنة 1999 نص على ان (قرر مجلس قيادة الثورة ما ياتي :اولا – تستوفي المراة مهرها المؤجل ، في حالة الطلاق ، مقوما بالذهب بتاريخ عقد الزواج .ثانيا – ينفذ هذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية .
سكنى الزوجة
بموجب قانون حق الزوجة المطلقة في السكن رقم (77) لسنة 1983 النافذ والذي اشار في المادة 1 منه بانه (تصدر المحكمة التي تنظر في دعوى طلاق الزوجة أو تفريقها قرارا بناء على طلبها بابقائها بعد الطلاق او التفريق ساكنة من دون زوجها في الدار أو الشقة التي تسكنها معه اذا كانت مملوكة له ، ويصدر هذا القرار ضمن الحكم بالطلاق أو التفريق .) واوضحت المادة 2 منه الى انه (1 – تكون سكنى الزوجة المطلقة بمقتضى المادة الاولى لمدة ثلاث سنوات وبلا بدل وفق الشروط الآتيـة :
أ – أن لا تؤجر الدار أو الشقة كلا أو جزءا .
ب – أن لا تسكن معها فيها أي شخص عدا من كانوا تحت حضانتها .
جـ – أن لا تحدث ضررا بالدار أو الشقة عدا الاضرار البسيطة الناجمة عن الاستعمال الاعتيادي .
2 – استثناء من حكم الفقرة ( 1 – ب ) يجوز للزوجة أن تسكن معها احد محارمها بشرط أن لا توجد أنثى تجاوزت سن الحضانة بين من يعيلهم الزوج ممن يقيمون معهما في الدار أو الشقة .) كما اشارت المادة 3 الى انه (تحرم الزوجة من هذا الحق في احدى الحالات الآتية :
أ – اذا كان سبب الطلاق أو التفريق خيانتها الزوجية أو نشوزها .
ب – اذا رضيت بالطلاق أو التفريق .
ج – اذا حصل التفريق نتيجة المخالعة .
د – اذا كانت تملك على وجه الاستقلال دارا أو شقة سكنية .

.