لمحات من تاريخ الوعي الثقافي في كربلاء

أ.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم التاريخ.

فرضت الطبيعة الدينية والحضارية بصمات واضحة على المجتمع الكربلائي الذي امتاز بمؤهلات ثقافية ساعدت على تطور الوعي الفكري. فقد تأسست في كربلاء عدد من المؤسسات الثقافية والندوات العلمية التي عملت على نشر الوعي الفكري والثقافي، ومنها على سبيل المثال (ندوة الخميس) التي أسسها في العام 1967السيد سلمان هادي آل طعمة في داره، حيث كان يحضر فيها العشرات من الأدباء والشعراء مساء كل يوم خميس، فيدور الحديث عن الشعر والأدب في العراق والعالم العربي (1). وتأسست أيضاً (جمعية الثقافة الوطنية) في العام 1970، وهي جمعية أدبية ثقافية ترأسها الشاعر عبد الجبار عبد الحسين الخضر، وأسهمت في تحريك الوسط الأدبي في كربلاء بإقامة الأماسي الشعرية والندوات الفكرية. وفضلاً عن ذلك فقد تم تأسيس (جمعية النهضة الإسلامية) عام 1970 والتي أصدرت مجلة باسم (صوت الإسلام)، كانت تنشر فيها مقالات أدبية وسياسية. وكان الهدف من الجمعية نشر الوعي الثقافي الإسلامي في المدينة(2)، وكذلك (جمعية الرعاية الاجتماعية) التي تأسست في العام 1967م، وكانت تهدف لخدمة المجتمع من النواحي الصحية والثقافية والعلمية والانسانية(3)، ويضاف لما تقدم مشروع ثقافي آخر هو (المنتدى الثقافي) الذي تأسس عام 1977، وكان مكانه في ساحة الإمام الحسين(عليه السلام) بجوار المكتبة المركزية، وقد شارك في نشاطاته عدد كبير من الأدباء والشعراء، فأسهموا في تنمية روح الفكر والأدب، وتمت استضافة العديد من مفكري العراق لإلقاء محاضراتهم وأوراقهم العلمية(4).

ولنقف عند محطة تاريخية شكلت مصدراً مؤثراً من مصادر الوعي الثقافي في كربلاء ألا وهو (المسرح) فمنذ فترات مبكرة كانت ثمة بوادر للاهتمام بالعروض التمثيلية من قبل هواة في فرق شعبية، أما في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي فقد أخذت الأعمال المسرحية تقدم على مسرح تتوفر في بعض الشروط الفنية كالإنارة والديكور، بعد أن كانت الأعمال السابقة تقدم داخل البيوت، وخلال المناسبات الاجتماعية والدينية(5). ومن الجدير بالذكر إن العامل الأساس لنشاط الحركة المسرحية التمثيلية في كربلاء يعود إلى تجسيد واقعة الطف بما يواكب تطورات العصر، ومن أجل أن تبقى أحداث هذه الملحمة حاضرة في أذهان الناس. ويمكن القول إن تشخيص واقعة الطف بشكل سنوي قد أسهم في نمو المسرح في كربلاء(6). ولعل من أبرز أعلام المسرح الكربلائي أبان سبعينيات القرن الماضي الكاتب المسرحي محمد زمان، إذ قام في سنة 1977 بفعالية مسرحية على قاعة مسرح قاعة الإدارة المحلية في كربلاء، وظفت فيها مجموعة قصائد للشاعر الفلسطيني “محمود درويش”، وكان مضمونها يتناول نكسة الخامس من حزيران عام 1967، وبالتحديد أحداث مجزرة “كفر قاسم”، مع الدعوة لثقافة التسامح والتعايش(7). وثمة تجربة مسرحية أخرى تعود لسبعينات القرن الماضي، جسدها المسرحي مهدي جاسم شماسي(8) الذي قدم العديد من المسرحيات ذات الطابع الغنائي الهادف، وفقاً لقواعد فن الأوبريت، وكانت تستخدم في هذه المسرحيات اللهجة الكربلائية العامية، بهدف إيصال مضمون المسرحية الى غالبية أهالي كربلاء. كما تطرق المسرح الكربلائي إلى نمط اصلاحي يخاطب المجتمع، ويمكن تسميته بالمسرح الاجتماعي، لأنه يعرض بعض الجوانب الاجتماعية السلبية بأسلوب كوميدي ساخر، وهو ما نجده مثلاً في مسرحية (الصعود الى قمة الجبل) التي مثلت في عامي (1976-1977) على مسرح قاعة الإدارة المحلية في كربلاء ولعل البعد الاجتماعي الذي يمكن أن يشار إليه في مضمون المسرحية هو الحالة المؤلمة التي يعيشها الناس تحت ظل الوصوليين الذين يحاولون إن يتقربوا لأسيادهم بصعودهم على أكتاف الأخرين، فضلاً عن الرمز في حكاية الفتاة التي تعاني جراء تسلط زوجها على مقدرات حياتها،. ويبدو إن في ذلك نقداً مبطناً السلطة الحاكمة آنذاك (9). لقد تضافرت جهود القائمين على تلك الجمعيات والمنتديات المشار إليها، مع النشاط المسرحي في كربلاء فأسهمت بمد الروح الثقافية والفكرية في المجتمع الكربلائي، وأشاعت حراكاً ثقافياً فاعلاً، جسّد خير تجسيد ارتباطها بالحياة الواقعية، وتطلعات مختلف الشرائح المجتمعية نحو حياة أكثر ازدهاراً ورقياً.
المصادر:
(1) سلمان هادي الطعمة، ، تراث كربلاء، ط2، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1983،ص79.
(2) سلمان هادي ال طعمة: شعراء كربلاء، مطبعة الكفيل، كربلاء، 2017، ج6، ص258.
(3) سلمان هادي آلـ طعمة، تراث كربلاء، ص312.
(4) م/ن: ص313.
(5) عبد الرزاق عبد الكريم: موسوعة المسرح العراقي في كربلاء، النجف الأشرف، 2013، ج4، ص25.
(6) م/ن .
(7) عبد الرزاق عبد الكريم، موسوعة المسرح العراقي في كربلاء 1917-1970، النجف الاشرف، 2013، ص32.
(8) م/ن: ص352-353.
(9) حمودي إبراهيم الوردي: الغناء العراقي، مطبعة أسعد، بغداد، د. ت، ج1، ص91.