تصحيح بعض الأخطاء في قاعدة التشريعات العراقية

أ.م.د عقيل كريم زغير الحسناوي
كلية القانون

لا يخفى على الباحثين بشكل عام والقانونيين ورجال الدولة بشكل خاص ما لقاعدة التشريعات العراقية من أهمية كبيرة لما تقدمه للباحث القانوني ولمؤسسات الدولة من خدمة جليلة، إذ جعلت في متناول أيديهم كافة القوانين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1918 وزودتهم بكل ما يصدر من قوانين لاحقاً، فضلاً عما يطرأ عليها من تعديل أو الغاء أو اصدار جديد، بالإضافة الى توفير بعض الاحكام القضائية المتعلقة بالمواد القانونية. إن هذا العمل الجبار منذ انطلاقه عام 2016 قد وفَر للباحث القانوني الوصول السريع الى مكتبة قانونية كبيرة ومتطورة تحتوي على كل ما يتعلق بالمنظومة التشريعية العراقية. اما في السابق وقبل انطلاق هذه القاعدة فاذا اردت قانون معين فعليك البحث عنه في المكتبات المختلفة او متابعة صدور مجلة الوقائع العراقية ولا تعلم ان هذا القانون في أي عدد قد صدر او إذا كان قد تم تعديله او الغاؤه، كل هذه الحاجات تجدها بمجرد الدخول الى موقع قاعدة التشريعات العراقية حيث وفر لك الوصول السريع لكل ما تحتاجه من قوانين وما لها من علاقات سابقة ولاحقة بهذا الخصوص.
الا ان عمل قاعدة التشريعات هو عمل انساني والعمل الإنساني غير كامل ويعتريه النقص والعيوب لذلك فهو دائما ما يحتاج الى المراقبة والمراجعة والتعديل والتحديث لتدارك الاخطاء والهفوات التي وقع فيها سابقاً.
ومن خلال مراجعتي الدائمة لقاعدة التشريعات العراقية عند كتابتي للبحوث القانونية كوني متخصص في القانون قد لاحظت بعض الأخطاء الواردة في بعض القوانين، وقد يتراءى للمرء اول وهلة ان هذه الأخطاء ليست على القدر من الأهمية او انها أخطاء بسيطة لا تأثير لها. الا انه في حقيقة الامر ان حصول هذه الأخطاء في مجال القوانين والتشريعات يعتبر امراً كبيراً وخطيراً جداً لإنه في بعض الأحيان اذا حذفت كلمة او حرف (مثل حرف لا) من النص القانوني فلا يؤثر بالمعنى اللغوي للنص فقط الا انه يعكس الحكم تماماً ، ونحن لثقتنا الكبيرة بهذا العمل الجبار نأخذ النص القانوني من القاعدة مباشرة ونتناوله بالبحث ، وهذا الامر قد اوقعني في حيرة وتناقض كبير عند كتابتي لأحد البحوث واعتمادي بشكل كبير على النصوص القانونية الواردة في قاعدة التشريعات العراقية وبعد بحث وتقصي كبيرين عثرت على الحقيقة من خلال اكتشاف بعض الأخطاء التي هي اكيد غير مقصودة او وردت سهواً او ربما أخطاء مطبعية. وكذلك الملاحظ ايضاً انه خلال فترة حكم سلطة الائتلاف المؤقتة قد عدلت بعض التشريعات او أصدرت العديد من التشريعات في اللغة الإنكليزية وبعد ترجمتها الى اللغة العربية ونشرها على موقع قاعدة التشريعات العراقية وجدت ان النص معيب وغامض وعصي على الفهم، ولكن بعد مراجعة النص الأصلي في اللغة الإنكليزية تبين ان المعنى المقصود مختلف تماماً عما ترجم اليه.
لذا نورد في هذه المقال بعض الملاحظات حول قاعدة التشريعات العراقية وهذا ما اكتشفته فقط فيما يعلق بأحد بحوثي القانونية حول القانون التجاري فربما يوجد غيرها من ملاحظات ولكن لم يتم اكتشافها بعد.
اولاً: المادة 618 من قانون التجارة العراقي السابق رقم 149 لسنة 1970 نصت على أن: (لأمين التفليسة وحده طلب نفاذ تصرفات المدين في حق جماعة الدائنين إذا وقع التصرف قبل صدور حكم اشهار الإفلاس…….). هذا النص كما هو وارد في قاعدة التشريعات العراقية.
نلاحظ ان النص قد أجاز لأمين التفليسة وحده طلب نفاذ تصرفات المدين بحق جماعة الدائنين.
لكن الحقيقة عكس ذلك حيث ان النص الأصلي الموجود في صورة التشريع الموجودة في قاعدة التشريعات هو كالاتي: (لأمين التفليسة وحده طلب عدم نفاذ تصرفات المدين في حق جماعة الدائنين إذا وقع التصرف قبل صدور حكم اشهار الإفلاس…….).
لقد سقطت كلمة “عدم” من نص المادة 618 تجاري سابق المنشور في قاعدة التشريعات العراقية مع وجودها في النص في صورة التشريع الموجودة في القاعدة مما يخل بالمعنى المقصود بل يعكس المعنى تماما، حيث ان النص أجاز لأمين التفليسة وحده طلب نفاذ تصرفات المدين بحق جماعة الدائنين.
الا ان الأصل هو ان يقدم امين التفليسة طلب عدم نفاذ التصرف (وليس نفاذ التصرف) بوصفه ممثلا لجماعة الدائنين. فالمشرع جعل من اختصاص آمين التفليسة وحده الطعن في تصرفات المدين السابقة لحكم الافلاس لان هذا النوع من البطلان مقرر لصالح جماعة الدائنين لذلك اوجب المشرع ان يقدم طلب عدم نفاذ تصرفات المدين في حق جماعة الدائنين من قبل آمين التفليسة بوصفه ممثلا لهذه الجماعة.
لذا ندعو المسؤولين في مجلس القضاء الأعلى تعديل هذا النص بإضافة كلمة عدم الى النص حتى يستقيم المعنى. مع العلم ان هذه المادة لم يتم تعديلها مطلقاً.
ثانياً: نص المادة 620 فقرة 1 من القانون نفسه كما هو في قاعدة التشريعات: ( لا يترتب على صدور الحكم بإشهار الافلاس وقف الدعاوى الفردية المقامة على المفلس من الدائنین العادیین او الدائنین اصحاب حقوق الامتیاز العامة).
الامر هنا عكس الحالة أعلاه حيث في الأولى سقوط كلمة عدم من النص بينما هنا زيادة حرف (لا) في أول النص، لا النافية والتي تنفي النص تماماً لان “لا” النافية عند أهل اللغة تفيد نفي حدوث امر او وجود امر معين.
اما النص الأصلي والموجود ايضاً صوره منه في صورة التشريع الموجودة في قاعدة التشريعات فقد ورد هكذا: (يترتب على صدور الحكم بإشهار الافلاس وقف الدعاوى الفردية المقامة على المفلس …) ويلاحظ ان النص الأصلي قد ورد بدون لا النافية.
وقد أكد شراح هذا القانون ان المشرع العراقي نص في المادة 620 فقرة 1 تجاري سابق بصورة صريحة على وقف الدعاوى الفردية بعد صدور حكم اشهار الإفلاس، كما انه منع اتخاذ أية إجراءات تنفيذية على أموال المفلس بعد صدور حكم اشهار الإفلاس.
ثالثاً: وردة كلمة (محاب) في نص المادة 587 فقرة 1 من القانون نفسه في قاعدة التشريعات، ولكنها في الوقائع العراقية وردت بلفظ “محاسب”.
رابعاً: نص المادة 586 فقرة 1: (تعين المحكمة في اشهار الافلاس وكيل للدفع لإدارة الافلاس، ويدعى بـ امين التفليسة). وكذلك ورد بهذه الصورة في الوقائع العراقية العدد 3983 في 1/6/2004.
هذا النص مترجم عن النص الأصلي في اللغة الإنكليزية، وعند ملاحظة عبارة وكيل للدفع الواردة في النص أعلاه فلا معنى لها فهي عبارة غامضة وغير مفهومة ولا توجد أي علاقة بين وكيل للدفع وامين التفليسة. وبالرجوع الى النص الأصلي باللغة الإنكليزية نجد ان الترجمة غير قانونية وغير صحيحة، حيث إن عبارة وكيل للدفع تعني وكيل بأجر يدعى امين التفليسة وليس وكيل للدفع التي تعني وكيل لدفع الأموال او الحقوق وهكذا. ونورد اليكم النص الأصلي في اللغة الإنكليزية:
Article 586 of the Law is amended to read as follows:
(1) The court may in the bankruptcy adjudication appoint a paid agent to manage the bankruptcy, who shall be called the “bankruptcy trustee.”
عبارة (paid agent) الواردة في النص الإنكليزي تعني وكيل مدفوع له أي وكيل بأجر باللغة القانونية.
خامساً: نص المادة 622 كما هو منشور في قاعدة التشريعات العراقية والوقائع العراقية:
“يحظر اشھار الافلاس والذي یدیر المصلحة في الدیون الاعتيادية والديون التي تكون ذو امتياز عام بالنسبة الى ھیئة الدائنین فقط. یتم تقديم دعوى بالنسبة للمصلحة المتعلقة بالديون المؤمنة فقط حول المبالغ الناتجة من بيع الأملاك المكلفة والمرهونة. ان المبلغ الأساسي من الدين هو الذي يجمع في المكان الأول، ثم المصلحة الناتجة قبل اشهار الإفلاس، ثم المصلحة الناتجة بعد ذلك”.
وكذلك ورد بهذه الصورة في الوقائع العراقية العدد 3983 في 1/6/2004.
نص المادة هذا مترجم عن النص الأصلي باللغة الانكليزية إلا أن الترجمة جاءت معيبة جداً وغامضة وغريبة ومبهمة كثيراً، فما معنى الذي يدير المصلحة، تقديم دعوى بالنسبة للمصلحة، الأملاك المكلفة، المبلغ الأساسي يجمع في المكان الاول؟؟
اليكم النص الأصلي باللغة الإنكليزية:
“The adjudication of bankruptcy bars the running of interest on ordinary debts and debts that are subject to a general privilege in regard to the body of creditors only; interest on secured debts may only be claimed on amounts resulting from the sale of the mortgaged or charged property; the principal amount of the debt is collected in the first place, then the interest which accrues prior to the bankruptcy adjudication, and then interest which accrues thereafter’’.
وعند ترجمة النص بشكل صحيح يصبح كالآتي:
“الحكم بإشهار الإفلاس يوقف سريان فوائد الديون العادية والديون ذات الامتياز العام بالنسبة الى جماعة الدائنين فقط. ولا يجوز المطالبة بفوائد الديون المضمونة برهن او امتياز الا من المبالغ الناتجة من بيع الأموال التي يقع عليها الرهن او الامتياز، ويستوفى أصل الدين أولا ثم الفوائد المستحقة قبل صدور الحكم بإشهار الإفلاس ثم الفوائد المستحقة بعد صدوره”.
سادساً: بالإضافة الى ذلك ما أورده الدكتور محمد جاسم محمد في بحثه الموسوم: الاطار القانوني للمصرف الجسري واثره في معالجة التعثر المصرفي، حيث ذكر ان قانون المصارف شرع بلغة إنكليزية ثم ترجم الى العربية وقد جاءت الترجمة ركيكة وخلل واضح في تراكيب الجمل واختلاف في المصطلحات حيث ان قانون المصارف في نسخته العربية قد استخدم اكثر من مصطلح للدلالة على فكرة المصرف بين ( الجسري ، المرحلي ، الوسيط ومصرف اخر) اما التشريع بنسخته الاصلية باللغة الإنكليزية فانه اقتصر على مصطلح المصرف الجسري فقط ( Bridge Bank ) في جميع المواد القانونية. بالتالي فانه إذا كانت الترجمة غير متوافقة مع قصد المشرع فإنها تؤدي الى انحراف بالتطبيق عن المسار التشريعي المقصود.
إن قاعدة التشريعات العراقية من المشاريع الكبرى التي تسحق الفخر لما تقدمه من خدمات جليلة، لذا ندعو القائمين على هذا الموقع في مجلس القضاء الأعلى الى مراجعة التشريعات وتصحيح بعض الأخطاء والتشديد على أن تكون الترجمة من قبل مترجمين متخصصين في مجال القانون، لأن ترجمة النص بصورة غير صحيحة تؤدي الى انحراف في التطبيق عن قصد المشرع من تشريع النص.