أ.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم التاريخ
أطلقت على مدينة كربلاء تسميات كثيرة. ومن المفيد البدء بمعرفة المدلول اللغوي لاسم كربلاء، فقد قيل إنه من ( الكربلة)، أي الرخاوة في القدمين، لأن أرض كربلاء نقية مصفاة من الحصى، وقيل إن أصل التسمية جاءت من( كربل) وهو اسم نبات مشهور يشبه نبات الحماض، وهو نوع يكثر وجوده في هذه المنطقة لونه احمر(1). وقيل ايضاً أنها لفظة مدمجة من مقطعين هما(كرب- بلاء) وكرب في اللغة العربية تعني الغم إذا اشتد على صاحبه، أما البلاء فتعني المصائب المتواترة (2)، والأمر المشجع في إيراد ذلك المعنى هو ما أشار إليه الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام) حينما سأل عن اسم هذا المكان فقيل له كربلاء، فقال:” اللهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء، ثم قال: هذا موضع كرب وبلاء، انزلوا، هاهنا محط رحالنا ومسفك دمائنا، وهنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم …” (3).
و تسميات مدينة كربلاء قديمة قدم التأريخ . فلها جذر بابلي من ( كرب الإله)، كرب يعنى –حرم- أي حرم الله، و(كور بابل) وهي من كور-مجموعة من القرى- أي مدينة بابلية تضم مجموعة من القرى منها قرية (نينوى)، وهي الآن أطلال تاريخية تقع شمال شرق كربلاء الحالية، وبالآشورية ( كرب – أيل ) أو(كرب أيلي)، وكرب هنا بمعنى حرم، أي يقصد بها حرم الله ، وبالفارسية قبل الإسلام (كـار بـالا ) فكلمة (كار) تعنى العمل و(بالا) هو الأعلى ، فيكون المعنى (العمل الأعلى)، أي (محل العبادة) و(النواوويس )، وهي مقبرة للنصارى قبل مجيء الإسلام قرب نينوى آنفة الذكر (4).
كما أطلق على المدينة تسميات أخرى، مثل (طف الفرات) أو( طف العلقمي) (5) لوقوعها على جانب نهر العلقمي، و(الحير) لأن الماء حار حول مرقد الإمام (الحسين بن علي عليهما السلام) فلم يصل الماء للقبر فدار حوله وحار بمحيطه، واليوم يعرف المحيط الذي يحيط بصحن الإمام الحسين (عليه السلام) بالحائر (6)، وينتسب له أناس كثيرون يُعرفون بلقب الحائري، لأنهم سكنوا قرب هذا المحيط المقدس. وبرغم كل ذلك، فقد استقر أسمها القديم “كربلاء”، وصارت وتعرف به اليوم دون غيره.
ويمكن استنتاج الموقع الجغرافي تاريخياً لمدينة كربلاء من قول الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) عندما قال :”كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات(7) بين النواوويس وكربلا”(8) فالنواويس هي مقابر المسيحيين الواقعة في قرية (نينوى) شمال شرق كربلاء الحالية وهو البعد الجغرافي الاول، أما كربلا(9) فهو من مكان ( الكربله) – الأرض الرملية الرخوة – والدليل ما ذكره (الحموي) بقوله: ” أرض نقية مصفاة من الحصى ” (10) وهذا الوصف يتطابق مع تسمية – طف العلقمي- الذي يمر من موقع استشهاد العباس بن علي (عليهما السلام ) ومرقده – لأنه دفن في مكان استشهاده -، فيكون المكان الرخوي الواقع المار بهذه المنطقة، وهو البعد الجغرافي الثاني، فمن خلال الامام الحسين عليه السلام يظهر ان كلا البعدين يمتد من مكان الاستشهاد وهو المكان المقدس الذي دفن فيه إلى اتجاه مقابر المسيحيين الواقعة شمال شرق كربلاء باتجاه مدينة الحلة حالياً، وهذا دليل واضح على حجم المعركة ومساحتها.
الهوامش:
ياقوت الحموي ،معجم البلدان مج4 ، طهران،1965 ،ص445.
محمد بن ابي بكر ،مختار الصحاح، بيروت،1981، ص566.
مقتبس من علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسيني ،اللهوف في قتلى الطفوف ،النجف،1950، ص35.
عبد الرزاق عباس حسين، نشأة المدن العراقية وتطورها ،بيروت،1980، ص124.
نهر العلقمي من الأنهر المندرسة وهو فرع من نهر الفرات المنقسم بدوره الى قسمين بعد خروجه من مدينة الانبار الاول نهر نينوى (مندرس)والثاني هو العلقمي ،إما موقع نهر العلقمي فهو يمتد من ضريح (عون )(عليه السلام) ليتجه جنوبا ليروي الغاضرية الواقعة على ضفته الشرقية ليصل الى مدينة كربلاء بالاتجاه الشمالي الغربي عند محاذاة ضريح (العباس)(عليه السلام)ليتجاوزه الى قرية نينوى ليتحد مع نهر نينوى ليشكلا نهر يتجه الى شرق الكوفة جاعلاً من الأراضي المار بها عامرة بالخصوبة والعمران. سلمان هادي الطعمة،تراث كربلاء، بيروت،1983، ص25-26.
للمزيد من التفاصيل عن التطور التاريخي لبناء حائر الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) ينظر: أمير جواد كاظم،الحائر الحسيني61هج-656هج(681م-1258م)رسالة ماجستير،كلية الاداب- جامعة الكوفة،2007.
(العسلان) قادمة من عَسْلاً وعٌسٌولاً وعَسَلاناً ويقصد بها تحرك واضطراب ،فيقال عَسَل الذئب او الفرس أي عد واهتز في عدوه ،او يقال عَسَل الرمح فيقصد أضطرب واهتز .و(الفلوات)هي جمع كلمة فلْوٌ وهو الجحش او المهر او من بلغ منها السنة او من (فلاة وفلوات) وهي الارض الواسعة المقفرة ،فيكون القصَد[ وحوش الأرض ] .ابراهيم مصطفى ،احمد حسن الزيات واخرون ،المعجم الوسيط ،اشراف عبد السلام هارون، طهران،د.ت، ص601 ص709.
مقتبس من علي بن موسى بن جعفر ،المصدر السابق،ص26 .
اختلف اللغويون في رفع الهمزة او ابقاءها من كلمة كربلاء فبعضهم يؤكد بانها مستحدثة وضعها الشعراء والأخر يؤكد انها من وزن الكلمة ولا يجوز رفعها للمزيد من التفاصيل ينظر طه الربيعي ،كربلا بين الهمزة وبدونها،صدى كربلا (مجلة)كربلاء ،ع(9)س(3)حزيران 2008،ص5.وعن جدل اللغويين ومثقفي مدينة كربلاء ينظر نقاشهم في إعداد (1-9) في مجلة(صدى كربلا)س(3) 2008 .
مقتبس من علي بن موسى بن جعفر، المصدر السابق،ص26