حكم هبة العيون في القانون والفقه الإسلامي

م حوراء علي حسين
كلية القانون
تعد العين من أكثر أعضاء جسم الإنسان المزدوجة أهمية من الأعضاء المزدوجة الأخرى ..حيث إن استئصال أحدى العينين يتعارض مع الجوانب الأخلاقية لمهنة الطب.. فلا يمكن استئصال عين إنسان سليمة وتركه عرضة لمخاطر إصابة العين الأخرى فالرؤية مسألة مهمة .
حيث جاء قانون تنظيم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية رقم 11 لسنة 2016 في الفقرة السابعة من المادة الخامسة بنص صريح يمنع استئصال العين من الأحياء لغرض الإستفادة منها في زرع القرنية بين الأحياء . الذي بدوره الغى قانون مصارف العيون رقم 113 لعام 1970 الذي كان يجيز استئصال قرنية العين من الأحياء .
“وأجاز في نص المادة (24) الفقرة أولاً (لوزير الصحة الموافقة على إنشاء مصارف للأعضاء والأنسجة البشرية في أي مستشفى أو مركز طبي لتشجيع وحفظ وتجهيز أنسجة الزرع للقرنية وللأنسجة الأخرى لأغراض الزرع …) جاء النص مطلقاً لم يوضح مصدر الأنسجة التي تؤخذ لغرض الزرع هل من الأحياء أم الأموات لكن يفهم إن المقصود هو يمكن استئصال أنسجة العين من جثث الموتى”.
ومقارنة مع موقف المشرع المصري نلاحظ بأن “القانون رقم 103 لسنة 1962 المصري قبل تعديله جاء في نص المادة الثانية بند(أ) على (عيون الأشخاص الذين يوصون بها أو يتبرعون بها) كمصدر للحصول على قرنيات العيون ولم يحدث أن أحدً أوصى أو تبرع في حياته باستئصال قرنية عينه بعد وفاته. بل كانت تؤخذ واقعاً من عين المتوفي دون وصية أو إذن من أهله . ولما أتهم طبيب بأخذ قرنية متوفي دون وصية عام 1996 وتدخلت النيابة العامة .. تم التوقف عن قرنيات الموتى وبالتالي أفلست بنوك العيون “.
وهنا لا سبيل إلى إحياء زراعة القرنية في مصر إلا من خلال أخذ عيون الموتى دون وصية في حالة الضرورة العلاجية .. وبعد صدور القانون رقم 79 لسنة 2003 بتعديل بعض أحكام القرار بالقانون رقم 103 لسنة 1962 في شأن إعادة تنظيم بنوك العيون أشار إلى مصادر الحصول على قرنيات العيون من خلال قرنيات عيون الأشخاص الذين يوافقون موافقة كتابية على نقلها بعد وفاتهم بغير مقابل. وقرنيات عيون قتلى الحوادث الذين تأمر النيابة العامة بإجراء الصفة التشريحية لهم .. وقرنيات عيون الموتى بالمستشفيات والمعاهد . ويقتصر نطاق تطبيق القانون رقم 103 لسنة 1962 على الموتى فقط دون الأحياء بعد ما حدث لبس في تفسير عبارة عيون الأشخاص الذين يوصون بها أو يتبرعوان بها ..وتم حذف عبارة عيون الأشخاص التي يتقرر استئصالها طبياً. وأبقى المشرع على عبارة عيون الأشخاص الذين يوصون بها كمصدر من مصادر الحصول على القرنية وأكد على أن الموافقة على استئصال القرنية بعد الوفاة تكون بلا مقابل ويقصد هنا الأشخاص الذين لا يموتون بالمستشفيات ومن ثم يسري هذا الحكم بالنسبة إلى من ينفذ فيهم حكم الإعدام في حال صدور موافقةى كتابية منهم على نقل قرنياتهم بلا مقابل بعد تنفيذ حكم الإعدام .
وابقى المشرع على عبارة عيون قتلى الحوادث الذين تشرح جثثهم كمصدر للحصول على القرنية، بينما المشرع العراقي أجاز إنشاء بنوك لحفظ الأنسجة وقرنية العيون لكنه لم يوضح مصادر الحصول عليها خاصة وإنه في قانون تنظيم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية ألغى قانون مصارف العيون .
أما بالنسبة لموقف الفقه الإسلامي من استئصال قرنية العين من الأحياءأو الأموات الأصل إن قاعدة ((الضرورات تبيح المحظورات)) التي هي من الأصول الشرعية والتي يستند إليها في إباحة المحرم والمحرم هنا هو إنتهاك حرمة الميت لا تحول دون الاستئصال من الميت بمراعاة التعامل مع جسد الميت الذي تستأصل قرنيته بالإحترام اللائق خاصة أن استئصال القرنية يتم بواسطة جهاز صغير يوضع على العين لرفع القرنية… ويوضع مكانها قطعة بلاستيك تشبه العدسة اللاصقة وهذا كله يحدث في أقل من دقيقتين ..كما أن الإنسان غير مأذون بالتصرف في جسده بعد وفاته وأنه لا يوجد دليل من الشرع على أن الله تعالى جعل الإنسان نفسه مناطاً للإستخلاف ليكون لورثته حق على جسده (1).
السؤال الذي يثار في هذا السياق لماذا الإصرار على تطلب وصية باستئصال القرنية بعد الوفاة؟ الأغلبية من الناس لا يوصون عادة باستئصال اعضائهم بعد الوفاة فهل يجب هنا افتراض الرضا بالاستئصال؟ خاصة كما لا حظنا من موقف المشرع العراقي لم يشر صراحة أو ضمناً إلى الوصية بقرنية العين؟
بدون شك أن وجوب الرضا صريحاً كان أم ضمنياً لا يتعلق برؤية شرعية في إعمال قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات” وذلك كان المشرع المصري محقاً عندما جعل الأصل هو الحصول على قرنيات عيون الموتى في المستشفيات في حالة الضرورة العلاجية بدون موافقة .
كما أن بناء على ما جاء في رأي بعض الفقهاء المسلمين (2) ومنهم السيد الخوئي الذي يعتبر التبرع بإحدى العينين غير جائز . وأعتبر السيد التبريزي في حال التبرع بإحدى العينين حرام ويعد جناية وظلماً للنفس . ويرى السيد علي الحسيني السيستاني أنه لا مانع من نقل عضو أو جزء منه من إنسان إلى آخر في حال إذا لم يلحق ضرراً بليغاً به . وبناء على ذلك إن استئصال أحدى العينين من إنسان حي تلحق به ضرر اً بليغاً يتمثل بتشويه المظهر الخارجي بالإضافة إلى إن وظيفة العين هي الرؤيا وهي مهمة جداً في حياة الإنسان.
محمد عبد اللطيف عبد العال، إباحة نقل الأعضاء من الموتى إلى الأحياء ومشكلاتها، ص97.
http :www .al-khoei.us