منظومة القيم الخالدة عند الإمام الحسين “ع” في واقعة الطف

أ.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم التاريخ

ترسخت لدى الإمام الحسين بن علي عليهما السلام قيم أخلاقية إنسانية نابعة من إيمان، واعتقاد ذاتي، ساعدت عليها عوامل الوراثة والمحيط الاجتماعي، وهي في مجملها قيم إسلامية غرستها فيه أسرته العلوية، وكانت كفيلة بصقل شخصيته. فمن وصايا والده عليه السلام قوله: (يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا، والقصد في الغنى والفقر، والعدل في الصديق والعدو، والعمل في النشاط والكسل، ورضا عن الله تعالى في الشدة والرخاء).
لقد حضرت تلك المعاني الشريفة بوضوح في شخصية الإمام يوم واقعة الطف الخالدة، حين وقف أمام حشود كبيرة من الأعداء بإباء وشمم، معززاً قيمة الشهادة في نفوس اتباعه، بوصفها فعلاً تغييراً يمثل استجابة لأوامر الدين الإسلامي الحنيف، التي تأمر بمواجهة الظلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ما تجسد على نحو صريح بقوله عليه السلام: (من رأى سلطانا جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله ان يدخله مدخله).
إن تلك الشجاعة النادرة المنطلقة من يقين عقائدي واضح وراسخ بعثت في أصحاب الحسين عليه السلام بعددهم القليل الذي لا يتجاوز العشرات دفعة إيمانية مؤثرة وفاعلة، وتشجيعاً معنوياً يرفع الهمم وهم يواجهون جيشاً كبيراً، كما يتضح ذلك في موقف زهير بن القين على سبيل المثال، حين قال مخاطباً الإمام الحسين عليه السلام: (والله لو وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا الف قتلة، وأن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك)، وهذا القول إنما هو نتيجة للتعزيز الإيجابي الذي نجح القائد في بثِّه في نفوس أصحابه. وبطبيعة الحال إن شيئاً من ذلك لم يكن ليتحقق لو لم يلمس أولئك الأصحاب الشجاعة والثبات في شخصية قائدهم قولاً وفعلاً، وهو ما جسده الإمام الحسين عليه السلام بقوله: (هيهات منا الذلة. يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون)، فالقبول بالإذلال يتنافى مع قيم الكرامة الإنسانية، ويتعارض في الوقت نفسه مع المعروف من أساسيات التعاليم الربانية التي أكدت على أن الله خص بني آدم بالكرامة، وأراد لهم العزة. إذن، فقد كانت تلك الجملة الخالدة من الإمام الحسين عليه السلام دعوة للتحرر من جميع أشكال العبودية، مستلهمة بالأساس من روح الرسالة الإسلامية السمحاء، التي أكدتها آيات قرآنية مباركة كثيرة، وجسدها النبي الأكرم محمد (ص) في مواقف عديدة من سيرته العطرة، ولا عجب في أن يقتفي الإمام الحسين أثر جده خاتم الأنبياء (ص)، فهو الغصن الوارف من تلك الشجرة المباركة.
المصادر:
1 – محمد مهدي الآصفي: في رحاب عاشوراء، مطبعة باقري، قم المقدسة،1421.
2 – باقر شريف القرشي: حياة الإمام الحسين بن علي عليهم السلام ، بيروت، دار البلاغة، 1993.