د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية- قسم التاريخ.
اعتمد التشريع الإسلامي في مسألة حقوق الإنسان على التعاليم السماوية المنزلة في الكتب السماوية (هضم كتب التوحيدية السابقة وهو دليل على عالمية النص القرآني). واختص الدين الإسلامي بميزة انفرد بها عن بقية الأديان بتعاليم مفصلة دخلت في كافة جوانب الحياة, بل اطرت بعقود ومواثيق أوصى الله عز وجل المؤمنين بها (عدم ترك أي صغيرة وكبيرة وفق مواثيق أخذت طابع الشرعية اعتماداً على النص المقدس). و يمكن وصف الدين الإسلامي وتشريعاته والنصوص الايجابية المترتبة من مدارس الأثر الصالح لمرحلة ما بعد النبوة بأنها مستندة على ركيزتين:
الأولى: العبادة لله الواحد الأحد.
الثانية: تنظيم شؤون المسلمين وفق قواعد حقوق الإنسان, وحريتهم من جهة أخرى.
إن نقاط القوة في التشريع الإسلامي متمثلة بتعزيز الجانب الروحي لدى المسلم , وهي عامل مهم في تعزيز حقوق الإنسان. لأن الإنسان المسلم يعرف حقوقه وواجباته على نحو واضح ويجد فيها ما يعود عليه بالفائدة والمنافع الروحية والمادية. أما التشريع الوضعي فهو قاصر, لأنه يفرغ الإنسان من محتواه الروحي, وبالتالي يتحول إلى أداة وآلة تحرك من قبل الدولة او سلطة الجماعة (قبيلة أو حزب أو تيار أو قوة جماعية) وحريته تسلب, وحقوقه الروحية وحتى المادية تسلب وتضيع. هنا (يجرد الانسان من حقوقه بتحويلة بعد افراغ محتواه الديني الى محتوى غرائزي حيواني يعتدي على حقوق الآخرين, وتضيع بمهب الريح كل قوانين حقوق الانسان), وفي ظل ذلك, لا غرابة إن جاءت النتائج كارثية, كالحرب العالمية الأولى والثانية والحروب والنزاعات الكثيرة الأخرى, إلى غير ذلك. إن العالم الغربي وضع تأميناً جيداً لحقوق الإنسان, ولكن بإطار مادي وضمن فلسفته القائمة على الربح ومنطق السوق, واستغلال اضطرابات العالم. اما النص الإسلامي المقدس فهو قد وضع تأميناً ممتازاً للإنسان بروحه وماديته, وكلاهما مكمل للآخر. إن المطلوب من المجتمع المسلم هو الوعي والتفكر وتنمية القدرات العقلية, وتجاوز الترسبات السلبية المتراكمة من الماضي. مثل العنصرية و الطائفية والجهل والنزعة القبلية. أو تراكمات ما بعد الاحتلال, والتي يعيشها الآن المسلمون من الأجيال السابقة. ولعل خير وسيلة لتجاوز ما تراكم من أوهام هيمنت للأسف على عقول الكثيرين هو الالتزام بتعاليم النص المقدس, بما يعزز الحقوق والواجبات. إن بعض النصوص الإسلامية نجدها قد خصصت مساحة لتناول قضايا قد لا يلتفت لها كثيرون, فهي على سبيل المثال ناقشت حتى حقوق الحيوان, وقدمت تعاليم واضحة في كيفية التعامل معها. إن الحاجة للتحديث والإصلاح ليست بأمور طارئة, بل هي من صميم الدين الإسلامي, والنصوص الدينية السابقة, فحيثما تكون المصلحة فثمة شرع الله. وخير وسيلة لإبراز عظمة التشريع الإسلامي هو تجاوز الترسبات المتراكمة في عقل المسلم, وإظهار روح النصوص التشريعية والأخلاقية الحقيقية, التي تعيد للدين الإسلامي الحنيف وجهه الحضاري المشرق.