الكوثر من منظور سياقي

أ.د. سلام موجد خلخال
جامعة كربلاء- كلية التربية للعلوم الإنسانية- قسم اللغة العربية.

كنت قديماً أرى، على قصور علمي، وقلّة بضاعتي في حقل التفسير، أن المقصود ب( الكوثر)، في قوله تعالى: (( إنّا أعطيناك الكوثر فصلِ لربّكَ وانحر إنّ شانئك هو الأبتر ))، فاطمة الزهراء عليها السلام، لأن عموم المفسرين لو احتكموا إلى السياق لاهتدوا إلى هذا المعنى، ولاستقوه بيسر ، إذ مفتتح السورة الكريمة لا يلائم غير هذا المعنى، ولا يستوسق مع خاتمتها إلا بهذا المراد ، ولعل مقولة: إن المقصود ب( الكوثر) الخير الكثير أو حوض في الجنة، وما يدور في هذا الفلك من معانٍ بمعزل عن معطيات السياق، إذ كل الآراء في هذه المقام فيها نبوّ، ونفرة عمّا هو مقصود، ذلك أن القرآن الكريم نظم نظماً معجزاً، ورصفت ألفاظه رصفاُ عجيباً، فمفرداته بعضها يأخذ برقاب بعض، وهو نصّ بعضه يفسّر بعضاً، تتلاحم فيه المفردات لتنظم أبهى الصور، وأجزلها، ومن ثم أرى، أنه لا يتحقّق التماسك النصي إلا بأن يكون المقصود( فاطمة الزهراء عليها السلام . ولعل من أبرز الأسباب التي تجعل الباحث موقناً بأن المقصود: ( فاطمة الزهراء عليها السلام ) الآتي: الأمر الأول إخبار الله تعالى للنبيّ الأعظم محمد “صلى الله عليه وآله وسلم” بأن الشانئ ( المبغض) سيكون بلا عقب، وبلا ذُرّيّة، وعيداً منه تعالى للقائل، ووعداً له عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك تسلية وتبشير، وتصبير له لما لاقاه من أذى هذا المشرك. الأمر الثاني أن قوله تعالى: ( فصلِّ لربك وانحر) مقصود به صلاة مخصوصة، وهي صلاة الشكر على ما أنعم ومنّ تعالى عليه صلى الله عليه وآله وسلم بسيدة نساء العالمين: (فاطمة الزهراء) عليها السلام، أمّا: ( وانحر) فمقصود به ذبح الذبائح احتفاء بإطلالة هذا المولود، وشكراً له تعالى وحمداً، الأمر الثالث أنه لفرط التوكيد جاءت الجملة مشتملة على ثلاثة مؤكّدات:( إنّ ) الشديدة، وضمير الفصل، و( أل) التعريف التي تفيد القصر، إشعاراً بتحقّق وعيده تعالى، وردعاً وزجراً له ولغيره. وفي ذلك آية من آيات الإعجاز إذ العرب في منظومتها المجتمعية أكبر همها أن يُرزق أحدهم بذكر ليرث الوالد من بعده في موروثه المادي والمعنوي فكان في ذلك لون من ألوان الاستئصال عقاباً له. وختاماً نجد في السورة لطيفة ينبئ عنها الاستعمال القرآني، إذ فيها إعلاء لشأن المرأة التي حطّت الجاهلية من قدرها، يوم كانت البنت توأد وهي حيّة.