الدكتور غسان عبيد المعموري
كلية القانون- جامعة كربلاء
إن البحث في هذا العنوان يستلزم الاشارة الى معنى كلمة القانون ذات الأصل غير العربي لكنها استقرت كمفهوم بلغة العرب. إذ تعني الطريق والمقياس، فقانون كل شيء هو طريقه ومقياسه وانتقلت الى العربية من الفارسية التي تستعملها لتصف الشيء بالاستقامة وعدم الاعوجاج على راي البعض ,اما البعض الآخر فيرجع أصولها الى اليونانية من كلمة kanunوتعني العصا المستقيمة، كل المعاني تشير الى معنى واحد، وهو وجوب الاستقامة وعدم الانحراف عن مسارها وملازمة هذا الطريق . وبعد انتقال كلمة قانون اصبحت تعبر عن كل علاقة تتسم بالاضطراد والتواتر بين ظاهرتين ,وتم توظيفها في العلوم كافة اذ يقال في علم الطبيعة مثل قانون الجاذبية –قانون الضغط الجوي ,لكن السؤال الاهم هو هل يصلح هذا المصطلح للاستعمال ويستوي بذلك مع العلوم الطبيعية التي تقوم على قوانين ومعادلات رياضية ومخرجات عنها ؟
لم تكن الاجابة عن هذا السؤال بشكل مباشر كما لو انه سؤال تقتضي اجابته ب(صح) أو (خطأ) ذلك لاختلاف وتعدد بوجهات النظر التي تحاول اثبات القانون بوصفه احد العلوم الصرفة كما لو انه علم الفيزياء او الكيمياء او نفي تلك الصفة عنه ,وهذا الاختلاف لا زال مستمرا منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى ايامنا هذه, يبدو لنا ان سبب ذلك يعود الى التطور المستمر والسريع بالعلوم كافة والتي تستلزم مسايرة لها من القانون ذلك لضبط مسارها في الحياة ,واخذ السؤال اعلاه حيزا غير قليل من لدن شراح القانون من الغرب والشرق على حد سواء اذ يرى الفقيه الفرنسي Michel.MORTER (فقيه فرنسي 1938-المؤلفات –القانون ,العدالة والدولة, الأمة ,الدولة والديمقراطية)ان مادة علم القانون قد ظهرت بمعنيين الاول معنى واسع نعني به علم القانون ,اعمال رجال القانون وتكون مرادفة للدوجماطيقية (الاعتقاد الجازم والمطلق ) القانونية ,القانون ليس موضوع علم بل هو نفسه علم ,ويؤكد الرأي المتقدم صرفية القانون كعلم من العلوم أسوة بعلوم الطبيعة الاخرى .
وفي قبال المعنى الواسع فأن المعنى الضيق هو تعبير (علم القانون) الذي استخدم لتمييز علم القانون للقانون نفسه.
ويستمر الشراح الغربيون ومنهم العلامة الفرنسي جنيFranqais Geny 1861-1959) الذي يرى ان العلم (SCIENCE) بالمعنى الواسع هو ان المادة التي يستخلصها العقل من طبيعة الروابط الاجتماعية المتطورة ويستهدي بمثل اعلى ينير طريقه فالعلم اذن هو المادة والجوهر اما الصياغة ((techniqueفهي القالب الذي تصاغ فيه هذه المادة حتى تصبح قابلة للتطبيق العلمي فالصياغة اذن هي الشكل والصورة, ويؤكد الراي المتقدم كذلك تصنيف القانون على انه علم من العلوم الهامة ويستوي في ذلك مع غير من العلوم الصرفة التي تعتمد على التجريب والاثبات والمعادلات المرتبطة بها.
ويؤيد من الشراح الشرقيين الرأيين المتقدمين الدكتور صوفي ابو طالب (1925-2008 -تاريخ النظم القانونية والاجتماعية ) إذ يرى أن القانون ليس فنا فحسب بل هو ايضا علم لأنه يقوم على دراسة ظواهر اجتماعية معينة PHENOMENEN) )مثله في ذلك كما العلوم الطبيعية التي تقوم على دراسة ظواهر طبيعية والظواهر الاجتماعية التي يهتم بها القانون اكتملت لها كل صفات الظاهرة التي تصلح لان تكون محلا لدراسة علمية هي الظاهرة التي تتصف بالعموم بحيث تشمل جميع الافراد والتي تدخل في مجال تطبيقها فضلا عن انها تكون مع غيرها في الظواهر المرتبطة بها وحدة متسقة متكاملة, فالظاهرة القانونية مثلها في ذلك مثل الظاهرة الطبيعية كالظاهرة الكيميائية ,وفي ذات الاتجاه يرى الاستاذ البلجيكي ادمون بيكار (1861 -1924 )الذي نشر كتابا عن (القانون البحت) شبه فيه علم القانون بالعلوم الطبيعية بان القانون هو علم طبيعي كعلم النبات او الحيوان اي الوقائع القابلة للمراقبة العلمية وليس مجموعة من المفاهيم الذهنية ,كما ان الاستاذ ارنست روجان من جامعة لوزان السويسرية قد نشر افكارا من هذا القبيل في كتابه علم القانون البحت وقد كتب روجان اننا ندرس القانون من وجهة نظر تحليلية وتركيبية كما يدرس الكيميائي الاجسام التي يفككها ويصنفها وتتمتع بنتائجها بطبيعتها نفسها الا في حالة الخطأ بالصرامة التي تتمتع بها الاجسام المادية .
غير ان الاستاذ كاربونيه Jean Carbonnier (1908–2003) was one of the most) important French jurists of the 20th century. He was a civil law specialist and a private law professor )يرى ان القانون في كل العصور كان له علماءه ولكننا نشك ان يكون القانون علما حيث انه لا يوجد علوم تستطيع ان تخضع للظواهر الحتمية وتكون قادرة على اكتشاف القوانين الواحد تلو الاخر وفقا لقوانين السببية سوى علوم الاجسام المادية ,فالقانون لا يستطيع بالتأكيد الزعم بذلك لكنه يستدرك في ذلك ويرى ان هناك بعض المواضيع يوجد علم قانون يختلف عن العلوم الاخرى ,هذا الامر غير قابل للنقاش بالإضافة الى ما تقدم مع هذه العلوم القانونية الخالصة هناك ما يسمى بالعلوم المساعدة والتي من الأفضل تسميتها العلوم المنتسبة للقانون .
وعلوم القانون الخاصة تتمثل في علم القانون الوضعي علم التشريع والعلوم المنتسبة للقانون علوم قديمة (تاريخ القانون –القانون المقارن وحديثة علم الاجتماع القانوني وعلم الانطولوجيا القانونية وعلم النفس القانوني وعلم اللغة القانونية والتحليل الاقتصادي للقانون, ويرى الاستاذ الدكتور محمود السقا (1931— 2020تاريخ وفلسفة النظم الاجتماعية والقانونية ) ((بما ان للعلم حقائق ثابتة كانت قواعده المستمدة وجودها من اصوله الكلية كذلك ثابتة لا تتغير بعكس حال القواعد القانونية فأنها متغيرة تختلف باختلاف الزمان والمكان بل وباختلاف المجتمع ومن ثم فانه طبقا للمنطق البحت فانه لا يمكن القول بان القانون علم بالمعنى الصحيح –ونرى مع زمرة من الباحثين بانه وان كان ((القانون ليس بعلم ولكنه يوجد علم القانون)).
من مراجعة الآراء المتعددة في اعلاه يتضح لنا ان الاجابة عن سؤال المقال لازالت متدرجة وقيد البحث المستمر والمتواصل من لدن الشراح وهذا يؤكد وجود علم خاضع للبحث والنقاش يساهم في اعمال واطالة التأمل والتفكير به ويمثل وسيلة حيوية لضبط جميع العلوم الطبيعية بمساراتها التطبيقية اضافة الى وظيفته الاساسية في ضبط سلوك الافراد والمجتمعات والدول فيما بعد لاسيما في عصر النيوليبرالية الجديدة ذلك العلم هو علم القانون الذي ينبغي ان يكون موجوداً وحاضراً في الضمير وفي العمل.