أ.د.عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
جامعة كربلاء –كلية التربية للعلوم الانسانية –قسم التاريخ
أصبح اليوم مفهوم الوحدة مصطلحاُ يحتاج إلى أسانيد ليصبح مفهوماً، وهي الحوادث والمواقف التاريخية ، ودور رجال الدين، والنخبة المثقفة وغيرها، والوحدة الإسلامية إحدى القضايا التي شغلت نخبة رجال الدين في العراق، لأهميتها ودورها في تحرير المسلمين وعقولهم من عبودية نقيضهم وأوهام العقل، وهذا المفهوم مبتلى بأمراض شتى من النص المحرف والظلم المتعمد والمبالغة وسموم المحتل وسواد التخلف. لاشك ان هذه الحلول مفيدة وتحل بعض العقد، ولكنها لم تصل إلى مفهوم الوحدة الإسلامية بشكله الكامل، لأنها وضعت الحصان خلف العربة وليس بمكانه الصحيح ، إذ افتقدت للتوقيت المناسب والعمل الجماعي وأولويات علاج المشكلة ،لان عملهم لم يبدأ بعلاج علل المفهوم، وعلى الأقل التاريخية. ان السيد (هبة الدين الشهرستاني) على سبيل المثال كان من أوائل رجال الدين العمليين الذين حددوا هدفهم فذكر في العدد الأول من مجلته (العلم 1910-1912) في دواعي التأسيس بأنه وجد ما يطبع ضد الإسلام مليون نشرة، كان ذلك عام 1910 والطباعة حجرية او بسيطة فلا يوجد لجهاز الاستنساخ و السكنر و الحاسوب و الفاكس وغيرها من الأجهزة المتطورة وبخاصة نحن الان في عصر التقنيات العلمية السريعة جداً، فهذا العالم كان عارفاً بمحنة المسلمين وحدد بعض أمراض مفهوم الوحدة الإسلامية ومنها علة الاستشراف والتطرف الديني وغيرهما.
استغل العثمانيون الدين أداة سياسية في توسعهم ومارسوا أنواع التفرقة والانقسام في السيطرة على بعض البلاد العربية ، وباسم الدين والتاريخ بطش هذا النظام بالمسلمين وبسيف الخلافة العثمانية مزقت الوحدة الممزقة اصلاً إلى خرق مغطاة بالدماء، وفي العراق كانت تلك الوحشية ظاهرة زادت من أوجاع العراقيين ومن تلك المخازي ما دون في (دماء على نهر الكرخا) فضلا عن الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية ،البلاد التي أصبحت ضعيفة مفككة ،فدخل الفرنسيون للجزائر 1830وتونس 1881والمغرب 1912والايطالي لليبيا 1911والبريطاني لمصر 1882 والعراق 1914وهذا الاحتلال عامل أخر في زيادة الفرقة والتمزق ، فالبريطانيون مارسوا لعبة حولت الاختلاف في العقائد الدينية الى تفرقة سياسية عقائدية او ما تعرف اليوم بالطائفية السياسية وهو خلاف مصلحي وهيمنة قبل ان يكون غير ذلك ،بل أراد البريطانيون قطع العراق من عالمه الإسلامي فقد ذكر وكيل الحاكم المدني (ارنولد تالبوت ويلسن) في برقية له الى وزير حكومة الهند برقم (10973) بتاريخ 1918: ((… يجب ان يكون من سياستنا في ظروف السلم ان نحافظ على بلاد ما بين النهرين بصفتنا مركز تحمي البلاد الخاضعة للسيطرة البريطانية ….أنها(بلاد ما بين النهرين)يجب ان لا تندمج بسائر بلاد العالم العربي او الإسلامي بل تبقى منعزلة قدر المستطاع )) (العراق بين الماضي والحاضر ص23-24) .
تؤكد الحوادث التاريخية بأن مفهوم الوحدة الإسلامية السياسي في العراق يظهر بشكل قوي عندما يتعرض هذا البلد الى احتلال ،فظهر في مدينة النجف في 11أذار 1917تنظيم سري سياسي إسلامي وحدوي ضد الاحتلال البريطاني مدعوم من الحكومة العثمانية جَسد مفهوم الوحدة على إشكالها ،فبالإضافة إلى انتظام رجال الدين في صفوفها (الشيخ محمد جواد الجزائري والسيد محمد علي بحر العلوم) انتظم إليها شرائح مختلفة من المجتمع النجفي منهم (نجم الدليمي الملقب بالبقال ومحمد علي شحاته وكاظم صبي وعباس الرماحي وحسين الصراف وتومان عدوه ) وحتى النخب (حسين كمال الدين وكاظم الخليلي ومحمد حسن شليلة وعماد الخليلي وعباس الخليلي )بل جذبت العشائر المحيطة بمدينة النجف (مرزوق العواد شيخ العوابد ورايح العطية شيخ الحميدات وسلمان الفاضل شيخ الحواتم ووداي ال على شيخ ال علي وكاظم الكردي شيخ الكرد ونجم عبود شيخ البو عامر) (ثورة النجف بعد مقتل حاكمها الكابتن المارشال ص35) وبذلك استطاع هذا التنظيم من خلق وحدة شعبية تستظل بالعاطفة الإسلامية ولكنه لا يخرج من دائرة النشاط السياسي الذي تجاوز مفاهيم ضيقة مثل العصبية القبلية والقومية والدينية التي استغلها البريطانيون أبشع أنواع الاستغلال .وفي ثورة العشرين في العراق( 30حزيران 1920 ) كان مفهوم الوحدة الإسلامية من ثنايا الفتوى التي أصدرها الشيخ (محمد تقي الشيرازي )التي تطالب بالحقوق الوطنية والتحذير من الطائفية إذ حذرَ:(( وإياكم والإخلال بالأمنية والتخالف والتشاجر بعضكم مع بعض فأن ذلك مضر بمقاصدكم الإسلامية ومضيع لحقوقكم التي صار ألان أوان حصولها بأيديكم، وأوصيكم بالمحافظة على جميع الملل والنحل التي في بلادكم في نفوسهم وإعراضهم وأموالهم ولا تنالوا واحد منهم بسوء ابداً)) (وثائق لم تنشر عن الثورة العراقية الكبرى1920ص14).