م. اسراء مهدي الدهان
جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية – قسم اللغة العربية
إن مراسيم العزاء الحسيني هي واحدة من أهم أشكال الموروثات الشعبية في العراق، ولها دور مهم في خلق الأجواء الدينية والثقافية، كما يمكن توظيفها اجتماعياً وسياسياً، لما لها من أبعاد رحبة. ولو تتبعنا بدايات النشأة لهذه الطقوس لوجدنا أنها تعود الى الاحتفالات الرمزية التي كان يقوم بها التوابون في القرن السابع الميلادي، حين قاموا بأول حركة مقاومة ضد الحكم الأموي للأخذ بثأر الإمام الحسين (ع)، إذ كان بعض المناصرين لأهل البيت يذهبون الى كربلاء للتجمع حول قبر الحسين، وبخاصة يوم العاشر من محرم من كل عام، طالبين المغفرة، مبدين الندم لتقاعسهم عن نصرة سبط رسول الله (ص). فكانت هذه هي بدايات للانتشار الطقوس والشعائر الحسينية. وكان المختار بن يوسف الثقفي قد أرسل النادبات الى شوارع الكوفة لندب الحسين (ع)، وأقام أول احتفال تأبيني في داره الواقعة في الكوفة بمناسبة يوم عاشوراء. لقد كان الهدف من هذه الاحتفالات هو تحريك المسلمين للأخذ بالثأر من قاتلي الحسين (ع)، ولم تكن هذه المراسيم ذات طابع ثابت، كما لم يظهر اسم النائح إلّا في القرن التاسع الميلادي. ثم تطورت النياحة الى قراءة مقتل الحسين لابن نما ثم لابن طاووس. وهذه هي أول الكتب التي تحدثت عن المآسي الدامية التي حدثت في طف كربلاء. ومن ذلك الحين أطلقت على الذين ينوحون على الحسين تسمية القراء. وعند ولعل من المفيد هنا التمييز بين مفردتي “الطقوس والشعائر”، لنعرف إن كان ثمة فرق بينهما، أم إنهما يشيران لمعنى واحد؟
فالشعائر ومفردها شعيرة هي رموز تحمل دلالات خاصة بها سواء أكانت دينية أم وضعية، ولا تقتصر الشعائر على الأديان بل إنها منظومة اجتماعية، فقد تتحول بعض التقاليد والعادات الى شعائر وطقوس كما في تبادل التحية. فجميع المراسيم بأشكالها وأنواعها التي تنطوي تحت الشعائر تُعّد نوعاً من النمط السلوكي التي تفرضه القيم والتقاليد الاجتماعية، سواء أكانت دينية أم قانونية تهدف لضبط السلوك. ويجد بعض العلماء في الشعائر جانباً عملياً من العبادات، وسلوكاً يقصد به التوجه الى الله. لذلك اتخذت هذه الشعائر صفة القدسية. أما الطقوس فهي رموز لا تحمل دوما دلالات دينية بل ترتبط غالبا بالعادات والتقاليد والقصص والأساطير.
إن من أهم الخصائص التي تميز الطقوس هي التكرار والاستمرارية مثل الشعائر، وذلك لضمان استمرارية ما تتضمنه من تقاليد متوارثة. فالشعائر والطقوس هي سلوكيات فردية أو جماعية تنتقل عبر الاجيال، مع مراعاة القواعد الثابتة والدقيقة فيها، وخلوها من هذه القواعد الثابتة يفقدها قيمتها وخصائصها التراثية. اذًاً فالفرق بين الشعيرة والطقس الديني هو أن الأول مما أمر به الدين أو حثَّ عليه ، استناداً لقوله تعالى: ((وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))، امَّا الثاني فهو من وضع الإنسان وابتكاره.