د. منى محمد عبد الرزاق
باتت الأوراق المالية تمثل أهم الوسائل العملية التي تساعد على الارتقاء بالاقتصاد الوطني، وذلك لما توفره من سيولة نقدية للشركات العاملة داخل الدولة، ولما لهذه السيولة من أثر في تحسين وتطوير عجلة الاقتصاد وخلق الفرص لزيادة الاستثمار، وبالتالي زيادة الإنتاج القومي ككل. من هنا اتجهت أغلب التشريعات الى توفير حماية لسوق الأوراق المالية، وذلك بالوسائل التشريعية، لتضمن لهذه الأوراق هيبتها، وتعزز ثقة المتعاملين بها، حتى أن بعض التشريعات – كالتشريع العراقي– عدَ الاعتداء على الثقة المالية العامة جريمة اقتصادية، تمس اقتصاد الدولة بشكل مؤثر وفعال.
واستكمالاً لهذه الحماية التي وفرتها هذه التشريعات للأوراق المالية جاءت هذه التشريعات بنصوص خاصة تنظم عمل الوسطاء الماليين المتعاملين بالأوراق المالية، وذلك بالنص على الأعمال المشروعة التي يجب أن يقوم بها الوسيط المالي، والأعمال غير المشروعة التي لا يجوز للوسيط المالي القيام بها، وقيام المسؤولية القانونية بحق المخالفين. وأختلف الفقه في هذه المسؤولية، إذ اكتفى البعض بإيقاع المسؤولية المدنية والإدارية، أما البعض الآخر، فقد ذهب على قيام المسؤولية الجزائية لهؤلاء الوسطاء في حال مخالفتهم للأحكام التي تنظم عمل سوق الأوراق المالية.
إن توفير الحماية الجزائية لسوق الأوراق المالية، والحد من الأعمال غير المشروعة والتي تعد جرائم باتت توجهات لازمة وضرورية، لما توفره من الردع اللازم لمرتكبي هذا النوع من الجرائم. فقيام المسؤولية الجزائية لا يمنع من الأخذ بالمسؤولية الإدارية والمدنية. ومن التشريعات التي أخذت بالمسؤولية الجزائية في حال قيام الوسيط المالي بعمل غير مشروع التشريع العراقي الذي ساير التطور الكبير الذي حصل في الفترة الأخيرة على سوق الأوراق المالية العالمي، وببحث الاحكام للجرائم التي يرتكبها الوسطاء الماليين حال قيامهم بأعمال غير مشروعة في سوق الأوراق المالية، نتوصل الى مدى عدم نجاح الحماية التي وفرها المشرع في هذا الشأن، ومدى عدم مسايرة القوانين والأنظمة ومنها قانون سوق الاوراق المالية رقم (٧٤) لسنة ٢٠٠٤ الذي وضعه المشرع والذي يضم الجرائم التي يرتكبها الوسيط المالي. جاء هذا القانون غير دقيق في الصياغة وان عباراته تتميز بالغموض وعدم الوضوح وذلك بوصفه جاء مترجما حرفيا عن النص الاصلي المكتوب باللغة الانكليزية والمقتبس للكثير من مواده ونصوصه من قانون سوق الاوراق المالية الامريكي لأن القانون شرع من قبل سلطة الاتلاف وهو ما منصوص عليه في مقدمة القانون. إن موضوع الجرائم الناشئة عن الأعمال غير المشروعة للوسيط المالي من المواضيع المهمة في الوقت الحالي، وخاصة بعد انهيار البورصات العالمية نهاية العام 2008، والمشكلات التي حصلت في أغلب دول العالم من استغلال أصحاب الشركات للعملاء المتعاملين بالبورصات العالمية، ومدى ارتباط هذا الانهيار بعمل الوسطاء الماليين، إذ يلعب الوسيط المالي دوراً كبيراً في حماية العملاء المتعاملين معه، ومن ثم تنمية وتطوير العمل في الأوراق المالية.
وتنبع أهمية الأعمال غير المشروعة للوسيط المالي من جانبين جانب نظري وجانب تطبيقي:
– من الجانب النظري تبدو الأهمية في بيان المسؤولية الجزائية والاجراءات والعقوبات التي تتخذها وتوقعها التشريعات القانونية على الوسيط المالي الناتجة عن الأعمال غير المشروعة التي يرتكبها حماية للمستثمرين في سوق الأوراق المالية، وذلك مع تزايد أهمية هذا القطاع وتزايد أهمية الدور الذي يقوم به الوسيط المالي.
– من الجانب التطبيقي تبدو الأهمية في الفائدة القانونية للعاملين والمتعاملين في مجال تداول الأوراق المالية والوساطة المالية، بالإضافة للمحامين والقضاة، وخاصة إذا ما علمنا عن وجود الكثير من الجرائم الناشئة عن الأعمال غير المشروعة للوسيط المالي في أروقة المحاكم العراقية.