م. د. عبد الخالق عبد الحسين سلمان – جامعة كربلاء – كلية القانون
تُعد الإدارة العامة من أهم الوظائف في كافّة أنواع المرافق مهما كانت طبيعة عملها، وتتمثل بالمَهام التي تُساعد على استغلال كافة الإمكانات المتوفرة من أجل الوصول إلى الهدف المطلوب بأقل وقت وتكلفة مُمكنة. ويُطلق على الشخص الذي يتحكم ويشرف على هذه الإدارة لقب المدير العام. فهو الشخص الذي يشرف بشكل مباشر على كافة أقسام الدائرة أو المؤسسة من خلال السلطة التي يمتلكها، إذ يُلقى على عاتقه مهام ومسؤوليات كبيرة تُؤثّر بشكل مباشر على مستوى أداء المرفق , وبذلك لابد أن تتوافر فيه بعض المهارات الشخصية منها , القيادة الفعالة والتخطيط الاستراتيجي لتنظيم سير العمل وإدارة الاجتماعات والمقابلات والتفاوض و الاتصال والتواصل مع الأخرين وقوة الملاحظة والتحلّي بأخلاقيات مهنية عالية والثقة بالنفس , إذ لا بد أن يمتلك رؤية استراتيجية لصياغة الأهداف , لذلك على المدير العام الجيد وضع المعايير التي ترفع مستوى المؤسسة التي يعمل بها على الرغم من التحديات التي تواجهها , من خلال الإشراف والمتابعة , وإلزام كافة العامليين باتّباع استراتيجية معينة للوصول إلى المستوى الذي يطمح إليه ، وقيادة جهودهم المبذولة نحو النجاح , ووضع الميزانية , ومراقبة المصاريف , وتنظيم تشكيلات المؤسسة , ودعم الموظفين المتميزين , ووضع حلول للمشكلات التي تُواجه الدائرة ، والتأكّد من جودة المنتج أو الخدمة المقدمة للعملاء وتقييم الاستثمارات وغيرها .
ولأهمية هذه الوظيفة، فقد أدركت الكثير من الأنظمة الإدارية مدى تأثيرها. وبذلك فقد اشترطت على من يتقلدها أن يكون حائزاً على الأقل شهادة البكالوريوس. لما يقدمه المرفق أو المؤسسة من خدمات أو ما يضطلع به من أنتاج , ولتأثير هذه الوظيفة الكبير على النشاط المخصص لتحقيقه فقد عدتها القوانين من ضمن الدرجات العليا , وفي أفضل الحالات أن يكون الشخص قد ترقى لهذه الوظيفة بطريق المسار الوظيفي الذي أكد عليه قانون وزارة التخطيط رقم (19) لسنة2009 بعد أن نص في المادة (2) على أهداف الوزارة ومنها , تطوير مسيرة التنمية الإدارية بما يرفع كفـاءة أداء الجهـاز الحكومـي إلا أنه لم يتضمن ما يتعلق بالمسار الوظيفي للمدير العام , لكن ولما تشكله هذه الوظيفة من أهمية فكانت في تجاذب بين قطبين هما الأيديولوجية من جهة , والتقنية من جهة أخرى , وعلى الرغم من عدم أهدار القطب الثاني بنسبة ما كانت فكرة التسييس لهذه الوظيفة هي الراجحة , فمثلاً قانون الخدمة المدنية العراقي رقم (55) لسنة 1956 الملغى أعتبرها خارج صلاحيات التعيين لمجلس الخدمة العامة , وهذ ما تأيد بقانون الملاك رقم (25) لسنة 1960 المعدل , أما قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 النافذ فقد عَدت المادة الثامنة (2-ج) وصف مدير العام وظيفة يتم التعيين فيها بمرسوم جمهوري بناء على اقتراح الوزير المختص وموافقة مجلس الوزراء , إذاً الولاء السياسي للشخص في تولي هذا المنصب يهم أكثر من الكفاءة , وهذا ما تعزز بإلغاء مجلس الخدمة العامة بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم (996) لسنة 2/8/1978 , وبذلك خرجت هذه الوظيفة من السياق القانوني بالنسبة لإحلال من يشغلها في تعليمات عدد (23) لسنة 1979 للوظائف الشاغرة والملاكات المصدقة (المعدل) , وهذا ذات الاتجاه في قانون مجلس الخدمة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009 بعد أن نصت المادة (9/ خامساً) على اختصاص المجلس بأعداد الهيكل الوظيفي للوزارات والجهات غير مرتبطة بوزارة , فجاءت الفقرة (سادساً) خالية من وصف وظيفة المدير العام , أما النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 فقد أوكل مهمة الموافقة على تعيين المديرين العامين بمجلس الوزراء صراحة باستثناء المدير العام ضمن ملاك مجلس النواب , فبموجب المادة (51/ثالثاً) من قانون مجلس النواب رقم (13) لسنة 2018 يعين المدير العام بأمر نيابي بالتوافق بين الرئيس ونائبيه .
وعن التوصيف الوظيفي للمدير العام فهي وظيفة من يتقلدها يُعد موظفاً , واعتبرت من الدرجات العليا في القوانين الملغاة , وكذلك في قانون رواتب موظفي الدولة رقم (22) لسنة 2008 ضمن الفئة (ب) , فضلاً عن ذلك ذكرت المادة (1/عاشراً) اصحاب الدرجات العليا وهم المدير العام فما فوق , ولا يغير من ذلك عبارة (عنوان ) التي أطلقتها المادة (8/ثانياً) من قانون وزارة التخطيط رقم (19) أو وصف التشكيل , وأن غلب عليه وصف دائرة , إذ نجد وصف (مديرية) الإقامة بموجب المادة (1/ أولاً ) من قانون إقامة الاجانب رقم (76) لسنة 2017 يرأسها مدير عام , أما عن استحداث هذه الوظيفة وعدد الدرجات فقد عدها الدستور العراقي لعام 2005 من ضمن صلاحيات السلطة التشريعية , كونها الجهة المخولة بتشريع القوانين , فبالنسبة للوزارات مثلاً نصت المادة (86) من الدستور على أن القانون هو من ينظم تشكيلاتها ووظائفها , وكذلك الحال بالنسبة للهيئات المستقلة المنشأة بموجب الدستور أو التي تستحدث بعد ذلك بموجب المادة (108) منه .
ولما تقدم فالجهة التي تتولى تعيين شخص المدير العام هي مجلس الوزراء بموجب النظام الداخلي رقم (2) لسنة 2019 , ولمجلس النواب بالنسبة للمدراء العامين ضمن ملاك مجلس النواب الامر الذي يضع هذا المنصب ضمن فكرة التسييس التي تؤثر بشكل كبير على من يشغل هذه الدرجة من ناحية اختياره كشخصية , ومن ناحية التأثير على الأداء المناط بهذه الوظيفة بعد أن نشأ عرف سياسي منذ عام 2003 تمثل بالمحاصصة في شغل الرئاسات الثلاث والهيئات المستقلة وأصحاب الدرجات الخاصة والدرجات العليا , وقد أسس الدستور لهذا النهج بذكره (مكونات) الشعب ضمن مقدمته ومواده , فضلاً عما تقدم – وهو الأخطر- من وجهة نظرنا عدم وجود محددات دستورية أو تشريعية تنظم أيجاد هذه الوظيفة أو هذا المنصب في القوانين , ومن ثم فالأمر متروك لتقدير مجلس النواب , فله الصلاحية المطلقة في النص على تخصيص درجات عليا بعنوان مدير عام في التشريع , وهذا ما يدعو إلى الاعتقاد بأن إيجاد هذه الدرجة توظف سياسياً لخدمة هذه الجهة أو تلك , وبذلك قد تكون الشخصية المختارة ليس بالمستوى المطلوب لشغل المنصب لاسيما وأن من يشغل هذه الدرجة يُعد موظفاً وليس مكلف بخدمة عامة أي من ضمن الملاك الوظيفي للدائرة المعنية ويتمتع بجميع حقوق الموظف , الأمر الذي قد يثقل ميزانية الدولة بنفقات دون جدوى , والحالة الأخرى عندما تخصص درجة مدير عام ضمن تشريع معين سواء أكانت ذات أهمية من عدمه يطرح موضوع زيادة التشكيلات التي تشغلها هذه الدرجة دون مبرر سوى لإرضاء الأطراف السياسية وتقسيمها بينهم كغنائم خصوصاً في ظل الترهل والتضخم التشريعي الموجود , إذ يتضح عند مراجعة التشريعات نجد الكثير منها نصت على استحداث أكثر من درجة لشغل منصب مدير عام ضمن تشكيلاتها كوظائف , وهذا ما يتطلب وقفة جادة للترشيق الوظيفي بخصوص هذه الوظيفة ومنع استغلالها واجهة للفساد المشرعن بعد أن أشارت احصائيات غير رسمية أن عدد درجات وظيفة المدير العام تصل الى سبعة ألاف درجة وربما أكثر.