تفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري حقيقة أم خيال؟

أ.م.د اسيا مهدي ناصر
كلية علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات

لا يزال الجدل عما إذا كان الذكاء الاصطناعي سوف يتفوق على الذكاء البشري يثير الكثير من الاهتمام. يعود هذا الموضوع إلى الخمسينيات من القرن الماضي عندما صاغ عالم الحاسوب الإنجليزي آلان تورينج “اختبار تورينج” الذي كان طريقة بدائية لتحديد ما إذا كان يمكن تعريف الحاسوب بأنه “ذكي”. حيث يجلس القاضي خلف شاشة الحاسوب ويتحدث مع محاورين غامضين، معظمهم بشر وروبوت واحد فقط، يجب على القاضي أن يقرر من يكون البشر. وإذا لم يتمكن القاضي من التفريق بين استجابة الإنسان واستجابة الحاسوب، فإن الاختبار يعتبر أجهزة الحاسوب واسعة الحيلة للغاية من حيث المعرفة. بشكل عام، فإن الاختبار هو حكم غير صالح للذكاء لأن النظام يمكن أن يمر من أجل الإنسان، فإنه لا يزال لا يعرض أي تجربة واعية يكتسبها الشخص أي الوعي بعملياتنا العقلية ومشاعرنا وأحاسيسنا.
إن الروبوتات التي صُنعت من أجل غرض محدد، لها خاصية ارتبطت بالكائنات الحية وهي الرغبة في الحفاظ على بقائها! الفارق فقط بينهما، أنه فيما يخص الروبوتات، فإن تلك الصفة ليست غريزية، كما أنها ليست شيئًا أضافه البشر إليها، بل هو نتيجة منطقية لحقيقة بسيطة، هي أن الروبوت لن يستطيع تحقيق غرضه الأصلي إن لم يكن على قيد الحياة. ومن ثَمَّ، فإن استخدام روبوت لديه مهمة واحدة مثلا إحضار القهوة، سيكوِّن لديه حافزًا قويًّا لضمان النجاح في مهمته، إلى الدرجة التي تجعله ان يواجه أيَّ شخص قد يعترض طريقه عند أدائه مهمتَه. لذلك إن لم نتوخَّ الحذر، فقد نجد أنفسنا في مواجهة ما تشبه مباراة شطرنج عالمية ضد الروبوتات فائقة الذكاء، تتعارض أهدافها مع أهدافنا الخاصة، حيث تدور أحداث المباراة في عالمنا الحقيقي الذي يصبح بمنزلة رقعة شطرنج.
حقيقة إن احتمال دخول البشر مباراة كهذه وخسارتها، يجب أن يحفز عقول علماء الحاسوب للتركيز على علاج تلك المشكلة. حيث يعتقد بعض الباحثين أنه من الممكن حصار الروبوتات داخل نوع من جدران الحماية، واستخدامها في الإجابة عن الأسئلة الصعبة، دون السماح لها بالتأثير على عالمنا الحقيقي. (وبطبيعة الحال، فإن هذا يعني التخلي عن تطوير الروبوتات فائقة الذكاء من الأصل!). لسوء الحظ، من غير المرجح أن تنجح تلك الخطة؛ إذ إننا لم ننجح بعدُ في ابتكار جدار حماية آمن ضد اختراق البشر العاديين، ناهيك عن الروبوتات فائقة الذكاء.
مع تطور مجال التعلم المعزز المنعكسReverse Reinforcement Learning، فإن الروبوت عليه أن يجد طرقًا للتأقلُم مع حقيقة أن البشر غير عقلانيين، وليس في أفعالهم اتساق، وضعيفو الإرادة، ولديهم قدرات حاسوبية محدودة، ومن ثم فإن تصرفاتهم لا تعكس دائمًا قيمهم. كما أن البشر لديهم مجموعات متنوعة من القيم والاحاسيس، وهو ما يعني أن الروبوتات لا بد أن تتمتع بالأحاسيس اللازمة أمام الصراعات المحتملة والتنازلات التي قد تحدث بين البشر. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتعلم الروبوت أن بعض البشر هم الشر في أوضح صوره، ومن ثَم لا يجب أن يساعد هؤلاء أو يحتذي تصرفاتهم.

عندما نقول إن لدى الروبوتات احساس، فإننا لا نعني أنها تشعر بالسعادة أو الحزن أو أن لديها حالات عقلية كما في الانسان حيث يبدو أنهم يظهرون السلوك الذي نفسره نحن البشر على هذا النحو وغيره.
من خلال هذا الاقتباس، سيكون تفسيرنا هو اننا إذا تلقينا هدية جديدة تمامًا، فإننا نحقق مستوى من الفرح والإحساس لا يمكن أن يفهمه مجرد جهاز حاسوب. وبالتالي، فإننا وبلا شك الكائنات الوحيدة التي تكتسب هذا النوع من الإدراك الذاتي والمستوى العالي من الوعي.
فعلى سبيل المثال كيف ستكون القضايا الأخلاقية إذا كان الناس سيعتمدون فقط على أجهزة الحاسوب. “عندما تصطدم سيارة ذاتية القيادة بالحيوان الأليف لشخص ما، أو ما هو أسوأ من ذلك، يجب أن نتصرف كما لو كان يعرف ما يفعله؟ هل يجب أن نمنح الجنسية للروبوتات التي تتظاهر فقط بمعرفة ما يعنيه أن تكون مواطنًا.
من هذا، فأننا نفترض أن أنظمة التقليد ستكون مع ذلك غير أخلاقية لأنها تصور هوية عن نفسها لا تعكس الحقيقة الكاملة للواقع.
بالرغم من هذه الصعوبات، فإننا نعتقد أنه سيمكن للآلات أن تتعلم ما يكفي عن القيم الإنسانية، بحيث لا تشكل تهديدًا للجنس البشري. وإلى جانب المراقبة المباشرة للسلوك البشري، سيساعد الروبوتات في مهمتها للحصول على كميات هائلة من المعلومات المكتوبة والمرئية حول أناس يقومون بفعل أشياء معينة (وردود أفعال الآخرين تجاهها). إن تصميم الخوارزميات، التي يمكنها استيعاب تلك المعلومات، أسهل بكثير من تصميم آلات فائقة الذكاء. كما أن هنالك أيضًا حوافز اقتصادية قوية للروبوتات –وصانعيها- تدفعهم لفهم القيم الإنسانية وقبولها: فمثلًا، عند تصميم أحدهم روبوتًا منزليًّا على نحو خطأ، إلى الدرجة التي تجعله يطهو، مثلًا، قطة على العشاء، دون أن يدرك أن قيمتها العاطفية لدى أصحابها تفوق تمامًا قيمتها الغذائية، عندئذ ستجبَر المصانع على التوقف عن صناعة الروبوتات المنزلية بالكامل.
في الختام، نعتقد أن الحاسوب يمكن أن يكون على دراية كبيرة بالمصادر حيث يحتوي على الكثير من المعلومات، ولكن المعلومات التي قدمت لهم حيث ان كل تلك المعلومات جاءت من شخص، كل الأفكار صاغها شخص. وبالتالي هل يمكننا استخدام كلمة ذكي؟ الإجابة لا، حتى يتمكن الحاسوب من عرض المشاعر وتقنين الأفكار بمفرده، لذلك الحين ستكون إجابتنا لا.
المصادر:

[1] هاني. زايد, “الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في غضون 45 عامًا – للعِلم.” [Online]. Available: https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/al-will-be-able-to-beat-us-in-45-years/.
[2] C. M. Signorelli, “Can Computers Become Conscious and Overcome Humans?,” Front. Robot. AI, vol. 5, Oct. 2018.
[3] P. J. Bentley, M. Brundage, O. Häggström, and T. Metzinger, Should we fear artificial intelligence? 2018.
[4] D. Hertzberg, “Will Artificial Intelligence Surpass Our Own ?,” 2016. [Online]. Available: https://www.scientificamerican.com/article/will-artificial-intelligence-surpass-our-own/.
[5] B. Goertzel, “Artificial General Intelligence and the Future of Humanity,” in The Transhumanist Reader, Wiley, 2013, pp. 128–137.
[6] A. Riaz, “Will Artificial Intelligence Systems Ever Surpass Human Intelligence?,” Cardiff School of Management, 2016.