أ.د. نجاح فاهم العبيدي
كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم اللغة العربية
لا شكِّ أن عنواناً مثل العنوان الفرعي لهذه المقالة سيكون مثار استغراب للمتلقي، فكيف يكون حاصل جمع ١+١ =١؟ فمنطق الرياضيات ينص على أن النتيجة هي ٢، والسبب مرهون بنظام الحساب ومنطقه، لأننا محكومون بمنطقية الأشياء وعرفيتها في أمورنا كلها، مهما كانت مساراتها.
إلا أنه من جهة أخرى قد يكون هناك خرق لهذه الطبيعة وذاك العرف، أو مخالفة منطقية الأحداث، وذلك بالقفز على بديهياتها، وهندسة ترتيبها، ولو أن هذا الأمر من الصعب قبوله، لأن العقل البشري انبنى على هذا القياس الذي تحكمه جزئياته المتآلفة، ضمن إطار قانوني خاص. ولكن هذا القفز على منطقية الأشياء وخرقها يمكن أن يحصل عن طريق خرق قواعد الطبيعة، وهو ما يسمى ب”المعجزة” التي أثارت تساؤلات كثيرة في ذهن المتلقي؛ إذ كيف يكون المألوف مخترقاً، بل كيف يكون المخترق مقبولاً ومبهراً؟
هذا ما حدث، ومازال يحدث في لغة القرآن الكريم التي اعجزت عقول جحاجيح قريش وخلبت ألبابهم حتى قال قائلهم: (سمعت من محمد كلاماً ما هو من كلام الجن ولا هو من كلام الأنس إن له لحلاوة وعليه لطلاوة…). وقد حملت هذه اللغة أحداثا تماثلت وتماهت مع قوة هذه اللغة فصارت هي الأخرى لافتة للنظر معجزة في تمثلاتها، وغير خاضعة لناموس الطبيعة، وهي بذلك خرقت المتصور الذهني والمألوف الاجتماعي.
ولنا أن نقول إن أحداث القصص القرآني فيها الكثير مما تقدمت الإشارة إليه، ومثال ذلك حكاية النبي موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام الواردة في سورة الكهف (الآيات 65 – 82)، إذ تبدو للوهلة الأولى ملغزة في ظاهرها، معجزة في تأويلها، بسردها لأحداث غريبة في ظاهرها، لا ينبغي أن تصدر من مكلّف بمهمة إنقاذ البشرية من الظلم والطغيان، فهي لا تتناسب مع المنطق الإنساني بَلْهَ المنطق الرسالي، وهذا ما تجلى في أفعال الرجل الصالح “الخضر” عليه السلام، حينما اصطحب النبي موسى عليه السلام، على أن يعلمه مما عُلّم رشداً. فخرقُ السفينة لمساكين، وإقامةُ الجدار للقرية الظالم أهلُها، وقتلُ الغلام بغير وجه حق كلها في الظاهر مخالفة لطبيعة فعل الخير ونشر السلام التي هي مهمة الصالحين من الأنبياء والمرسلين. من هنا كان على موسى عليه السلام أن يعترض على مجريات الأحداث، وقد فعل؛ لأنه يمثل صلاح الظاهر المتعين في الخارج، والذي يكون فيه الأمر مؤمناً لا مخترقاً، وهي وظيفته التي تستوجب تصحيح مسار الأحداث.
وفي الجانب الآخر فعل الخضر عليه السلام ما كان مأموراً به، استجابة لإرادة إلهية في تعليم موسى ع أمراً ما. فقد مثّل ما وراء الطبيعة وقراءة الغيب وتغليب المصلحة العامة في الأمور الثلاثة المخالفة لسيرورة الإصلاح. فكانت النتيجة: (إنك لن تستطيع معي صبراً). وهو أمر حق من الطرفين، لأن موسى عليه السلام مثّل الظاهر فاعترض على خرق هذا الظاهر بغير حق، بينما كان الخضر عليه السلام قد مثّل الباطن فعمل بما يتماشى مع المصلحة العامة للفرد المسكين واليتيم والمؤمن. فالاثنان مثّلا المهمة الإلهية الموكولة إليهما، وبذلك الظاهر عجز موسى عليه السلام عن مواصلة المسيرة مع الخضر عليه السلام لأنه حمل الأمور على تفسير ظاهرها، وواصل الخضر المسيرة بلحاظ تأويل الباطن. والنتيجة هي تنفيذ الإرادة الإلهية من الطرفين. الأول يمثل تصحيح مسار الظاهر + الثاني يمثل تصحيح مسار الباطن ليساوي تنفيذ الإرادة الإلهية: إذن.. ١ + ١ =١.