المدن الدينية: أنواعها وخصائصها الحضرية

أ.د. رياض كاظم سلمان الجميلي
كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم الجغرافيا التطبيقية

مقدمة
قد يختلف الباحثون في وجهات النظر حول قضايا متعددة وفقاً لمنطلقاتهم ومدارسهم الفكرية على صعيد العلوم الاجتماعية والإنسانية لكن يوشك أن يجمعوا على علاقة الدين بالمدينة بوصفه أحد المؤشرات المدنية التي يتصف بها مجتمع المدينة، فضلاً عن كونها أحد أبرز مقومات المدينة وعوامل قيامها منذ القدم، لذا فان دور الدين ومؤسساته لا يمكن ان ينكر له فضل في قيام وتأسيس العديد من الحواضر المدنية في شتى بقاع العالم ، وقد تطور امر هذه العلاقة الى انتاج صور حضرية اكثر تخصصاً في التعامل مع الدين ومخرجاته فقد بدا واضحاً تداول مصطلحات ( المدن الدينية ، مدن الحج ، مدن العبادة ، مدن الأضرحة ، مدن الأديرة والزوايا) وغيرها من المفاهيم التي تجسد طبيعة علاقة الدين بالمدينة ومؤسساتها الحضرية ، والأكثر من ذلك برزت العديد من الحواضر تتخصص بتقديم الخدمات الدينية عن غيرها وأصبحت الوظيفية الدينية من اهم وظائفها الحضرية المهيمنة ، ومن هذا المنطلق بات لهذا النوع من المدن متطلباته التخطيطية الخاصة والتي تتماشى مع نوعية الوظيفة الدينية التي تمارسها هذه المدن ، وتتنوع هذه المتطلبات بين الخطط النوعية المتخصصة والتصاميم الأساس المراعية لهذه الخصوصية فضلا عن العديد من الإجراءات التخطيطية والسياقات العمرانية –المورفولوجية التي من شانها تحدد نوعية الطرز والعمران والفضاءات المطلوبة والمنشآت العمرانية الساندة لهذه الوظيفة.
أولاً: مفهوم المدن الدينية
لا تزال العلاقة التي حكمت الدين بالمدينة قديماً هي نفس العلاقة الحاكمة بينهما من الناحية الرئيسية في الوقت الحاضر ان لم تكن بشكل اقوى وأوثق، فقد مارس العامل الديني الكثير من الآثار الحضرية في قيام وبناء وتأسيس ركائز المدن وقوامها حتى بات يعرف عامل الدين بكونه المؤسس الحقيقي للمدينة وكذلك المدينة أيضا ان لم تحتوي على العوامل الدينية ويمارس فيها طقوس الأديان لا تعد مدينة باي حال من الأحوال ، ولهذا فقد ادركت الحضارات الإنسانية القديمة أهمية العامل الديني وقدرته على النهوض بالمدينة وتطورها ، وهنا وبخصوص اثر العامل الديني في تكوين المدن فقد حدد الباحث (جمال حمدان) ثلاثة مستويات وظيفية يمارسها الدين في انشاء المدن (1) هي :-
المستوى الأول / ان يكون الدين عاملاً من مجموعة عوامل ساعدت في انشاء المدينة ولكن فيما بعد سيطر عاملا اخر غير العامل الديني ليأخذ على عاتقه تطور المدينة وظهر هذا المستوى في بداية صدر الإسلام الذي استطاع من أقامه الكثير من المدن على أساس ديني ثم ما لبثت ان تحولت الى مدن اقتصادية او مراكز للحكم الإسلامي كمدن الفسطاط وبغداد على سبيل المثال.
المستوى الثاني / في هذا المستوى يضل الدين مسيطر على جزءاً او قطاع معين من قطاعات المدينة او مركزها فيما يظهر تأثير عوامل مكانية أخرى لها القدرة الى تمدد المدينة الى جهات ومحاور أخرى فتكون المدينة مركزها دينيا وبقية اجزاءها غير دينية، بعبارة ادق ان تأثير العامل الديني ينتهي عند حدود معينة من انطقه المدينة وقطاعاتها، وساد هذا النوع من المستويات خلال العصور الوسطى والحديثة منها.
المستوى الثالث / أما في هذا المستوى فان العامل الديني يضل هو العامل المسيطر على مختلف مراحل نمو المدينة وتطورها ويمثل هو المبرر الأساس لنشوء المدينة وبقائها، فلولاه لما قامت المدينة ونمت لذا فان هذا المستوى هو المسؤول الوحيد على قيام ما يعرف ب(المدن الدينية ) كمدن القدس الشريف ومكة المكرمة والمدينة المنورة وكربلاء المقدسة وغيرها من الحواضر المدينية التي أسسها الفكر الديني للإسلام.
وهنا يمكن أن نستنتج من هذه المستويات فهماً يصح أن يطلق على المدينة الدينية وتحديداً عندما يكون العامل الديني هو المرتكز الوحيد الذي تسبب في نشؤه المدينة. وعلية يمكن نلتمس مفهوماً منطقياً لمدينة الدينية بأنها (المدينة التي نشأت حول معلم او أثر ديني شكل هذا الأثر نواة نشأتها والبادرة الأولى لظهورها ثم استجلب مختلف الأنشطة الحضرية الأخرى حول هذه النواة لتدعم نموها وتطورها عبر الزمن وصولاً الى تخصصها في عرض الأنشطة الدينية دون غيرها، على الرغم من تمتعها بممارسة أنشطة حضرية أخرى) وبهذا استطاعت المدينة الدينية ان تجمع بين وظيفتها الدينية الام مع وظائف حضرية أخرى سخرتها لخدمة النشاط الديني فحسب (2)
ثانياً: أنواع المدن الدينية
افرزت البيئات الحضرية المختلفة أنواع من الصراع بين الوظائف الحضرية داخل المدينة الواحدة، ويحتدم هذا الصراع عندما تبرز وظيفة ما وتبسط نفوذها على بقية وظائف المدينة وانشطتها الأخرى ، تتعرض الوظيفة الدينية في اغلب المدن الى هذا النوع من الصراع الوظيفي كونها الأقوى تأثيراً وجذباً للسكان من جهة والاضعف في قائمة الوظائف الحديثة والتي امتازت بالتنوع وسرعة التشكل بفضل التقانة التكنلوجية وما اضافت للوظائف الحضرية من صور وهيئات جديدة قابلة للتطور والاندماج الحضري بعكس الخدمات الدينية التي اتصفت بالجمود والتمحور في ضل هذه الجدلية تبقى الكثير من المدن الدينية تفرض هيبتها على نظائرها من المدن لاستمالة العديد من انشطه المدينة اليها وتسخيرها لخدمة لدين واغراضه ، وعلية فقد شهد العالم ظهور العديد من أنواع المدن الدينة وبحسب طرق تشكلها ونوعية العامل الديني المسؤول عن قيامها ولعل من ابرزها ذكرا ما يلي(3) :
مدن الحكم الديني
وتعد هذه المدن من اضعف أنواع المدن الدينية ، فهي بالأساس مدن دينية ولكن مرور الوقت تحولت الى مدن عاصمة او سياسية مما طغت عليها صفة السياحة والحكم وبقيت صفتها الدينية منكمشة في أماكن محددة وغير قادرة على المنافسة الحضرية وامثال هذه المدن مدينة بغداد منذ تأسيسها والعاصمة السعودية الرياض والحال ينطبق على القاهرة قديماً .
مدن تذكارية او رمزية
وهي المدن التي قامت على رمز او نصب او تذكار في أسس نشأتها وتعد الذاكرة لجماعية ، الشواهد التاريخية العلامات والمعالم والتماثيل والمواقع المحفوظة والمتنزهات الوطنية الطبيعية والتراثية وكل ما يمت للماضي بصلة سبباً مقنعاً لوجود هذا النوع من المدن (4) وبقيت محافظة على هويتها الدينية رغم التطور الحاصل في حجم ونوعية وظائفها الأخرى ، الا انها عرفت بالجانب التراثي دون غيره وتحاول ان تحتفظ بهذه الأهمية رغم التحولات المعاصرة التي تعصف بالهيكل التقليدي للمدن من حداثة ومعاصرة وجوانب ذكية ، ويمكن ان توصف بأنها اقوى من النوع الأول من المدن الدينية كونها لا تزال تصارع ضد الزوال او الاجتياح الوظيفي لهويتها .
مدن الأضرحة
وهي من أوسع الأنواع انتشاراً في العالم كونها ، وينشأ هذا النوع على نواة دينية بحته كأن يكون قبر نبي او رسول او ولي صالح او قديس او شخصية دينية بارزه وبحسب فكرة مفهوم (القداسة) بين الأديان والمعتقدات ، ويعد هذا النوع من المدن وجهه للحجاج والسياح الدينيين من مختلف بقاع العالم وتجرى فيها بعض الطقوس والعبادات والشعائر ذات الطابع الديني او المذهبي (5) وتمثل هذه المدن من اكثر المدن قدرة على الصمود والثبات والديمومة لقدرتها على جذب السكان اليها بسهولة لما تملكه من ابعاد روحية وقدسية عالية فضلا عن الابعاد السياحية من ناحية ، كما تمثل من اكثر المدن امنناً وتأثيراً على المستوى الاجتماعي والفردي فضلا ان نضجها من الناحية الاقتصادية والتجارية والسياحية .
مدن الزوايا والأديرة
مارست الطقوس الشعائر الدينية والممارسات المرتبطة بها بمثابة جسور إنسانية بين الماضي والحاضر كعناصر ترائية وثقافية متوارثة وقد تم ربطها بالعصر الحديث بمحاور التنمية الإنسانية والروحية كونها تجسد الهوية المكانية والحضارية للإنسان(6) وعلى هذا الأساس ظهر نوع من المدن يجسد الهوية الجغرافية بمشاهد ومعالم دينية حية تمارس من خلالها شعائر دينية مختلفة يجد فيها اتباع هذه الشعائر هويتهم الدينية والمذهبية التي تعبر عن انتمائهم حتى لو لم تكن هناك عوامل مكانية مساعدة لإقامه المدينة بمفهومها الجغرافي تظهر حول هذه الزوايا الدينية تجمعات عمرانية تجذبها عناصر دينية مكونه لهذا النوع من المدن ، وتقوم مدن الزوايا والاديرة على دير او مدرسة دينية ومن امثله هذا النوع مدن (للامات) في التبت و(صيدنايا) في ريف مدينة دمشق و(طور عبدين) في جنوب شرق تركيا ومدينة (وادي النطران) في مصر وبعض المدن الصغيرة المنتشرة في الهضاب والجبال في شمال لبنان و الرباط في المغرب .
ثالثاً: خصائص المدن الدينية
قد يتفق الجغرافيون في إعطاء توصيفا عام للمدينة بوصفها تركزا عمرانيا وخدميا يضم مجموعة من السكان وقد يرتفع مستوى سقف البحث الى مسالة وضع المستلزمات الواجب توفرها لقيام المدن والتي تتمثل بأمور عديدة أبرزها العامل السكاني والعامل الاقتصادي (7) اما خصائص المدن الدينية فتبحث ضمن وظائف المدن او استعمالاتها الحضرية ولم نضع أيدينا على دراسة مفصلة توضح اهم خصائص هذا النوع من المدن رغم رواجه في عالمنا العربي والإسلامي ، لذا ومن خلال دراستنا للعديد من مدن العرق ذات الطابع الديني وتخصصنا في هذا المجال لذا يمكن ملاحظة العديد من الخصائص المكانية والوظيفية التي يتصف بها هذا النوع من الحواضر لعل من ابرزها :
أحادية المراكز
لكل مدينة -مهما صغر حجمها أو كبر- قلب حيوي يزودها بالحياة ويمدها بالروح والطاقة معا ويعبر عن هذا الجزء المهم في المدينة بـ (مركز المدينة) الذي يمثل النواه الأولى للمدينة واقدم نقطة جغرافية فيها بالشكل الذي جعل منه يشكل (المركز الرئيسي) والذي عادة يكون موقعه في منطقة الاعمال التجارية المركزية (C.B.D) والذي يمثل المنطقة الحضرية والتي يمكن الوصول اليها بيسر و تتمركز فيها الخدمات والمؤسسات الخدمية المهمة (8) ويعد هذا الجزء من المدينة من اهم مناطقها وأكثرها حيوية كونه المفصل الذي يضم جميع فعاليات المدينة وانشطتها الحضرية كما تلتقي عنده اهم الطرق والمسارات ، لذا فهو يمارس دورا حضريا واقتصاديا في غاية الأهمية وعلية تتوقف العديد من المؤشرات الحضرية للمدينة كالتوسع المساحي والسكاني والفاعلية الاقتصادية والترابط العضوي لمختلف جهات المدينة ومحاورها المكانية وفي ضل هذه الأهمية المكانية والحضرية التي يتمتع بها مركز المدينة فهو يتعرض الى ضغط سكاني واقتصادي هائل من قبل جميع سكان المدينة فضلا عن زائريها وسواحها ، لذا فان الضغط يسلط علية من جانبين الأول محلي والثاني إقليمي ، لذا تقوم الكثير من المدن باستحداث وتطوير مراكز ثانوية بديلة عن مراكزها غايتها التخفيف من الضغوط السكانية على منطقة المركز ، وتعرف هذه المراكز بانها المناطق الخدمية التي تحيط بمركز المدينة والتي ترتبط بدورها بصلات وتأثيرات وثيقة ومتبادلة يكون لها دور كبير في تقديم الخدمات والبضائع التي تعد ضرورية بالنسبة لسكان المدينة (9) وتلعب هذه المراكز الثانوية دورا خدميا لا يمكن الاستهانة به كونها تقوم بتوفير المستلزمات (الأساسية والثانوية) لسكان المدينة ضمن مناطق سكناهم داخل الاحياء والمحلات السكنية دون التوجه بجميع متطلباتهم للمركز لتلبيتها مما قد يخفف من الضغوط الخدمية التي يتعرض لها المركز ، ولكن قد لا يسير الحال بهذه الصورة التخطيطية في المدن الدينية رغم وجود هذه المراكز الثانوية فيها لأسباب عديدة منها ان معظم المراكز الأساسية للمدن الدينية هي بورات دينية تشكلت بفعل العامل الديني المتمثل بوجود مرقد او قبر او ضريح او مقام او حتى جامع نمت المدينة بتأثيره المباشر واخذت تنمو وتتطور بظله دون الحاجة الى تأثير عوامل عمرانية أخرى مما جعل مركزها يمارس نوعين من الوظائف أولها : القلب الحيوي للمنطقة التجارية المركزية الذي يحوي المؤسسات الخدمية وثانيها : المركز الديني الذي يمثل هوية المدينة الدينية وبعدها التاريخي وكلا الوظيفتين تمارسان تأثيرا كبيرا على حياة السكان من داخل المدينة وخارجها ، وهنا سوف تفقد الكثير من المراكز الثانوية السابقة الذكر دورها الخدمي كون المركز الرئيسي طغى عليها بهاتين الميزتين وهذا الصورة غير موجودة في انموذج المدن غير الدينية التي تمتلك مركزا رئيسا ومراكز خدمية ثانوية كل منهما يؤدي الوظائف الحضرية المناطة بها ، وبذلك تبقى المدن الدينية أحادية المركز رغم توفر أنواع متعددة من المراكز الخدمية فيها. وهذا ما تشهده مدينة كربلاء من أحادية تامه لمنطقة المركز رغم وجود أكثر من (17) مركز خدمي ثانوي متناثر ة في انحاء مختلفة من المدينة الا ان سيطرة المركز ونفوذه الخدمي يطغى على مثل هذه المراكز بقوة (10)

سيادة الوظيفة الرئيسة
تؤدي المدينة مجموعة من الوظائف الحضرية التي وجدت لأجلها، وتعرف الأنشطة والفعاليات الحضرية والتي ينتج عنها خلق وتوفير سلع وبضائع وخدمات متنوعة (مادية وغير مادية) موجهه لخدمة سكان المدينة واقاليمها الوظيفية بالوظيفة الحضرية، وهي المبرر الأساس لوجود المدن وقيامها وتتعاظم أهمية الوظائف الحضرية لدورها الاقتصادي البارز في دعم اقتصاديات المدينة بوفورات اقتصادية تجلب من الخارج (11) وتتنوع الوظائف التي تؤديها المدينة بتنوع أنشطتها وعادة ما تكون هناك تنافس وظيفي بين وظائف المدينة المختلفة بحسب طبيعة الأنشطة التي تقدمها الوظائف ونوعيتها وكفاءتها وبالتالي تبرز بعض الوظائف على سلم الأولويات والصدارة الخدمية لكل مدينة (12) وقد يختلف الحال كثيرا في انموذج المدن الدينية التي تسيطر فيها وظيفتها الدينية الأساسية على بقية الوظائف والفعاليات الحضرية الأخرى لما لها من حضور وفاعلية وسيادة على قطاعات المدينة المختلفة فطبيعة الوظيفة الدينية وما يرافقها من جوانب (روحية – شعائر دينية – سياحة تراثية ودينية ) جعل لها سيادة واضحة على مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى من جانب وان عمل هذه القطاعات يأتي بمثابة الدعم والاسناد للوظيفة الدينية الرئيسة التي تمارسها المدينة ، وهذا الحال يبدو واضحاً في المشهد الحضري لمدينة كربلاء وما تميزت به من سيادة وظيفتها الدينية على بقية الوظائف الحضرية الأخرى من تجارة وصناعة وتعليم وترفيه وسكن وصحة وغيرها والتي تلعب دورا كبيرا في تسخير هذه الفعاليات لخدمة وظيفتها الام .
الخصائص التخطيطية والمورفولوجية
تتمتع المدن الدينية بخصائص في عناصر التخطيط والعمارة ما يميزها عن بقية المدن والحواضر الأخرى، ان هذا التفرد الذي تشهده (العمارة الدينية) في الكثير من المدن ذات الموروث الديني الذي يمثل نتاج مجموعة متنوعة من الظروف التي امليت عليها عبر الزمن من عادات وتقاليد مجتمعية وظروف جغرافية وبيئية ساهمت جميعها في انتاج المشهد المورفولوجي لهذا النوع من المدن ورسم ملامحه التخطيطية (13) جعل من تخطيطها ومورفولوجبتها العمرانية ميزة حضرية تضاف الى ميزاتها ، فالبعد الزمني لأبنيتها التي باتت تمثل بصمة كبيرة في هوية المدن الدينية يضاف له شكل الشوارع والازقة ومسارات الحركة الداخلية التي يحكمها النظام العضوي المترابط لمحلاتها السكنية بالمركز وما تتصف به من الجوانب التقليدية الممتزجة بالحداثة والمعاصرة فضلا عن النسق العمراني ذات الطابع الديني ونوعية عمارة أسواقها التقليدية وميادينها العامة والافنية المرافقة لمراقد والمساجد ودور العبادة وصولا الى نوع من التكامل في جانب العمارة والوظيفة المراعية للعديد من الجوانب البيئية المؤثرة ، فوجود الميدان العام الذي يتوسط المدينة الدينية والمرافق لأثارها الدينية هذا الميدان الذي ينفتح على بقية المناطق والمحلات السكنية بنظامه العضوي- الترابطي ليخلق انسجام كبير بين الوظائف من جانب ، والذي يحاكي طبوغرافية عمرانية تحاول هي الاحرى مده بوسائل وطرز عمرانية تجسد البعد الوظيفي للمدينة من ناحية أخرى ، وبروز نظام نقل متكامل في التدرج يحاول ان يحقق سهولة في الوصول الى قطاعات المدينة المختلفة بما فيها المنطقة التقليدية التي تشهد تدرج كبير في انظمه الشوارع والازقة والمسارات وصولا الى الازقة المغلقة في نهاياتها مما تعكس حالة عمرانية قد لا توجد في أماكن أخرى .
الزيادات السكانية المضطربة
تلعب موجة الهجرات السكانية دوراً مباشر في تضخم المدن بشكل عام وتحديدا عندما ترتبط بدوافع اجتماعية – ونزعات دينية تدفع بتيارات الهجرة نحو مراكز دينية بعينها مما تخلق زيادات سكانية طارئه تضاف على أعباء المدن ، فضلا عن معدلات الزيادة الطبيعية التي اتسمت بالارتفاع خلال القرن العشرين في مناطق متعددة من العالم (14) وتشهد معظم المراكز الدينية في العالم زيادة سكانية ملحوظة تختلف بين دول الشرق والغرب بحسب طبيعة وقوة العوامل الديموغرافية المحركة لعوامل النمو ، ويجد القول ان غالبية المدن الدينية تستقبل العديد من السكان المهاجرين والذين ينسجمون اجتماعيا واثنيا مع بنية هذا النوع من المدن فعوامل (الايدلوجيا والفكر الديني و الروابط الاجتماعية والاسرية وحتى تأدية الطقوس الشعائر الدينية ) لها تأثيرا كبيرا في توجه السكان المهاجرين ورغبتهم في السكنى بالقرب من انتماءاتهم المذهبية والاثنية ، وهذا الحال يبدوا جليا في مدينة كربلاء وقدرتها على استيعاب العديد من موجات الهجرة السكانية (الداخلية والخارجية) منذ سبعينات القرن الماضي لما تتمتع به من عروض دينية مميزة وسعه في السكن فضلا عن تحقيقها مقدار عال من استتباب الامن مما جعل منها احد اهم مراكز استقبال الهجرات السكانية الوافدة من مختلف محافظات العراق وخارجه .
الخاتمة :
تعد المدن الدينية أنموذجاً حضرياً يكاد يمتلك خصوصية على المستوى الحضري والتخطيطي عن بقية المدن الأخرى فلكونها مدن ذات عرض ديني – روحي تمتاز بمواصفات حضرية وتخطيطية ومورفولوجية معينة ذات صبغة دينية تفرض عليها سمات ومتطلبات تخطيطية مميزه لما لها من خصائص تجعل منها مدن جاذبة للسياحة الدينية على مدى أيام السنة فضلا عن أسس تخطيطها تكاد تختلف عن الأسس التخطيطية لمدن أخرى يجب على المخطط الالتفات لمثل هذه الخصوصيات الحضرية.
الهوامش :
جمال حمدان، جغرافية المدن، الطبعة الثانية المنقحة، عالم الكتب، القاهرة، ص177.
مصطفى عباس الموسوي، العوامل التاريخية لنشاه وتطور المدينة العربية الإسلامية، دار الرشيد للنشر، منشورات وزارة الثقافة والاعلام، بغداد، 1982، ص159.
جمال حمدان ، المدينة العربية ، معهد الدراسات العربية العالية ، مطبعة الجيلاوي ، القاهرة ، 1964، ص83-86.
D. H. Alderman, O. J. Dwyer (2009) , Memorials and Monuments , This article was originally published in International Encyclopedia of Human Geography, published by Elsevier , Encyclopedia of Human Geography, Volume 7, pp. 51–58. Oxford: Elsevier, bdf ,p:59-67 http://www.elsevier.com/locate/permissionusematerial.
Hossein Maroufi, Elisabetta Rosina (2017) Cities Hosting Holy Shrines: The Impact of Pilgrimage on Urban Form , International Journal of Architecture & Planning , Volume 5, Special Issue, pp: 30-44, bdf
Silvia Aulet, Tomasz Duda (2020),Tourism Accessibility and Its Impact on the Spiritual Sustainability of Sacred Site,, mdpi.com/journal/sustainability ,p:58 , bdf.
عبد الجبار ناجي ، دراسات في تاريخ المدن العربية الإسلامية ، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 2001،ص77.
Velina Mirincheva(2012) ، The Central Business District of Doha: An(8) Investigation In To The Challenges Of Creating a Spatial Centrality and Socio-Economic Viability ، Thesis Master، University College London ،P.24.

محمد جاسم العاني، دراسة تطبيقية لبعض جوانب التخطيط الحضري والاقليمي، الطبعة الاولى، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الاردن، 2009م، ص104.
(10) حوراء صبري شاكر ، الكفاءة الوظيفية لمراكز الخدمات الثانوية في الاحياء السكنية لمدينة كربلاء ، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية التربية للعلوم الإنسانية ، جامعة كربلاء (غير منشورة) ،2017، ص56.
(11) عبد الله عطوي، جغرافية المدن، ج1، دار النهضة العربية، بيروت، 2001، ص66.
(12) Arthur.E. Smailes (1965),The Geography Of Towns, Hutchinson university Llbrary , London :p84.

(13) كامل الكناني ، تخطيط المدينة العربية الإسلامية (الخصوصية والحداثة) ، مجلة المخطط والتنمية ، العدد 15 ، يصدرها مركز التخطيط الحضري والإقليمي في جامعة بغداد ، 2006 ، ص63.
(14) ديفيد س . ثورنس ، كيف تتحول المدن ، ترجمة احمد رمو ، منشورات وزارة الثقافة ، الهيئة العامة السورية للكتاب ، دمشق ، 2009.