التنظيم القرآني للعلاقة الزوجية وأثره في بناء الأسرة

د . آمال علي الموسوي
دكتوراه في القانون الخاص

أولت الشريعة الإسلامية السمحاء الكثير من الاهتمام بالرابطة الزوجية، وقد نظم القران الكريم أحكامها وفقاً لأسس سليمة، ورصينة تكفل إدارة شؤون الأسرة على نحو صحيح، بوصفها اللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي. ولأن الزوجين هما عماد الأسرة، ودليلها لمستقبل زاهر تتحقق فيه الغايات النبيلة التي بشَّرت بها الشرائع السماوية، عبر التحلِّي بالأخلاق الحميدة، والمعرفة، والوعي، والعمل بما يحبه الله، فقد جعل الله -سبحانه وتعالى- المودة والرحمة بين الزوجين أساساً للانطلاق نحو شراكة أسرية منسجمة، يتخللها التسامح، والصفح، والمغفرة بين الطرفين، ومساندة أحدهما للآخر في أمور تنظيم الأسرة، وسيسهم ذلك في تحجيم الخلافات التي يمكن أن تنشأ، وتهدئة النفوس، وإشاعة أجواء المودَّة، والتراحم، والسلام، وصولاً إلى نمط حياة أسرية مستقرة، وآمنة. ومن شأن هذا كله أن ينعكس إيجابياً على ازدهار، وتطور السلم المجتمعي.
إن رابطة الزواج رابطة مقدسة، تعلو بها إنسانية الطرفين، ولها آثار نفسية إيجابية تسهم برقيِّهما. قال تعالى: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة” (الروم. الآية: 21)، حيث يجد الزوجان بتكاتفهما الطمأنينة، والاكتفاء، والاستقرار العاطفي، فيسهل لهما إنشاء حياة مستقرة بعيدة عن التشاحن والبغضاء .ولن يكون الحديث عن العلاقة الزوجية ذا جدوى دون تحديد للوسائل التي تساعد على استقرار تلك العلاقة، لاسيما في ظل طبيعة تعقيدات وتحديات الواقع الاجتماعي المعاصر، إذ بدأنا نشهد في الآونة الأخيرة ازدياداً مخيفاً في حالات الطلاق، وباتت الكثير من الأسر مهددة بالتفكك، ولا شك في أن ذلك سيؤدي الى تهديد سلامة المجتمع. لكن تعاون طرفي الأسرة ومقدار ما يتمتعان به من تكافؤ في النضج والوعي، وتوزيع الأدوار، والمهام الأسرية بينهما أمر في غاية الضرورة، لاسيما بعد أن صار للمرأة دور أساسي في استقرار الأسرة، وتربية الأولاد، وراحت تشارك الرجل في نواحي الحياة كافة، ضمن حدود الآداب الإسلامية. وكانت الديانة الإسلامية السمحاء قد حرَّمت على الزوج الاضرار بزوجته، قال سبحانه وتعالى: “ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه” (البقرة. الآية: 231)، فالتعدي على الزوجة، والحاق الضرر بها هو شكل من أشكال الظلم للمرأة من جهة، وللرجل من جهة أخرى، إذ هو بذلك يظلم نفسه أيضاً، بتعديه جوراً بغير حق، وبتهديده لكيان الأسرة برمته.
إن الأصل في الحياة الزوجية هو قيامها على الألفة، والمحبة، ونحن نجد في أخلاقيات الحوار أهم قواعد نجاح الأسرة، فالحوار هو خير سبيل لتبادل الأفكار، وفهم الرأي الآخر. وقد وضع المنهج القرآني قواعد عديدة ليتجاوز بها الزوجان ما يمكن أن يقف في طريقهما من خلافات، ومشاكل قد تصل بهما أحياناً إلى الطلاق. لقد اوجب الله على الزوجين أن يتعايشا بود، وصفح، وتسامح، ومن غير الممكن أن تستقيم الحياة إلا إذا آمن واحترم كل منهما حق الآخر، وأداه إليه راضياً. وليس من الصعب أن يطلب أحدهما الصفح، ويعتذر عن خطأه، وكلما كان الاعتذار صادقاً، ومتحققاً في وقت مبكر جاء التجاوز والصفح من الطرف الآخر حقيقياً، وسريعاً ايضاً، وفي ذلك كله تجسيد لمفهوم المعروف، ومصداق لقوله تعالى: “وعاشروهن بالمعروف” (النساء: الآية 19). ولا خلاف في أن الاعتراف بالخطأ واجب على الطرفين، وهو ما لن يكون أمراً ممكناً ما لم يتصف كل منهما بالشجاعة، والثقة بالنفس، والإيمان الكامل بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة، وخير من التمادي في الباطل، ونجد مضمون ذلك في الآية القرآنية: “وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم” (التغابن. الآية: 14).