المدينة الذكية: أسلوب التحول الرقمي للمدن

أ.د. رياض كاظم سلمان الجميلي
كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم الجغرافيا التطبيقية

مقدمة
ظهر مصطلح المدينة الذكية (smart city) مع بروز الألفية الثالثة وما حملته من مفاهيم وعناوين عصرية أخرى تنبأ بحلول عصر إنساني جديد محكوم بمبادئ تقنية رقمية، وبأدوات ومستوعبات الكترونية عالية الأداء، بعد التطور التقني الهائل الذي تحقق في مجال شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، وما تبعها من تعاظم في شبكة الاتصالات (ICT)، التي اسهمت في زيادة مفهوم الرفاهية والنمو الاقتصادي العالمي، وباتت مدينة القرن العشرين لا تتناسب مع احتياجات الإنسان في ظل تزايد التقنيات الرقمية، ودخولنا في نفق العالم الرقمي الذي تسوده الافتراضية المتحققة من فضاءات الشبكة العنكبوتية، وما لازمها من سرعة انتقال الإنسان في منظومتي المكان والزمان، عبر الفضاء الافتراضي من الحزم المعلوماتية الفائقة السرعة والتحكم. فقد مرت المدينة بوصفها محط رحال الركب الحضاري للبشرية بأدوار ومراحل عمرانية عدة اكتسبت من خلالها شخصيتها المكانية والثقافية معاً، وجسدت عبر هذه المسيرة التاريخية مشاهد ونماذج عمرانية مختلفة تلاءمت ووظائفها الحضرية، وكل هذه المراحل المرفولوجية لم تلغِ دور العوامل المكانية، وتأثيرات المحيط البيئي الذي يعده الجغرافيون رحم المدن الذي تولد منه لعظم تأثيره المكاني والاجتماعي على شخصية المدينة وطرق تخطيطها. لذا باتت عوامل “اللاند سكيب” الطبيعي بمثابة المحرك الأساس لوظائف المدينة وفعاليتها في نظر الكثيرين. إلا إن الانعطافة التقنية التي شهدها العالم ابان القرن الحالي، والتي تمثلت بتطور انظمة الاتصالات والمعلومات ICT)) أسهم في دخول المدينة معترك التقنية الجديدة شاءت أم ابت، وبات على مخططيها استيعاب هذه الحقيقة والتعامل معها بشفافية عالية. لقد حمل القرن الجديد العديد من المصطلحات والمفاهيم الحضرية الجديدة التي يغازل معناها مفهوم التكنلوجيا العالمية ومنها (المدينة الالكترونية، المدينة العالمية، المدينة المعلوماتية، المدينة الافتراضية، المدينة الذكية …الخ ) من المسميات الحديثة التي تقوم على مبادى الثورة التكنولوجية المعاصرة، إذ وفر مبدأ (العالم الافتراضي) المتاح ضمن شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) مساحات واسعة من التفكير الناضج لدى المواطن وصانع القرار معاً لجعل معالم التكنولوجيا الحديثة في خدمة حركة النمو العمراني للمدن، وبدأ الحديث عن إمكانية إقامة المباني الذكية التي تتكامل فيها أنظمة البيئة، واستخدام الطاقة، وأنظمة الاتصالات حتى اصبح هذا التوجه في تصميم المباني رائجاً، كونه يلائم معطيات التكنلوجيا الحديثة. إن تقديم مفهوم المدينة الذكية بشكلها الواقعي يضفي على الواقع التخطيطي للمدن -حاضراً ومستقبلاً- دافعاً كبيراً للإسراع في تطبيق برامجياته وتقنياته الكفيلة بسرعة تحول المدن الى مدن أكثر ذكاءً، ومن هنا جاء هدف المقال.

مناقشة الفكرة وبلورتها
تصدر مفهوم المدينة الذكية (SmartCite) ضمن استراتيجيا الكثير من الدول المتقدمة والنامية، باعتباره الرؤية الحاسمة لمفهوم التحضر المعاصر، وأول من استخدم مصطلح (المدينة الافتراضية) هو الكاتب Graham and Aurigi في العام 1997 معتقداً بإن هناك أكثر من (2000) مدينة وجدت على شبكة (الانترنت) في هذا العام، تحمل في طياتها أسلوب المحاكاة المكانية لخدماتها(1)، فيما عرفت منظمة المعايير الدولية (ISO) المدن الذكية بانها أنموذج جديد من المدن يتخذ من تكنلوجيا المعلومات (الانترنت، الحواسيب، البيانات الرقمية، الفضاء الافتراضي، نظم المعلومات الجغرافية GIS) منهجاً للتخطيط والبناء والإدارة الحضرية فيها، أما برنامج المفوضية الاوربية FP7-ICT فيرى بان المدينة الذكية (هي بيئة للابتكار المفتوح التي يحكمها المستخدم وهي بذلك تعزز من قدرة المواطن على المشاركة في صياغة القرارات المهمة الخاصة ببيئته) (2) ، فيما يرى البعض بأن على الحكومات والإدارات الحضرية في المدن الذكية مسؤولية ضمان تمتع مجتمع المدينة بخدمات المعلومات والاتصالات المتقدمة، وأن تعمل المدن الذكية جاهدة على وضع مواطنيها وأعمالهم في حالة من الازدهار والتقدم، كما عليها أن تؤسس لبنية تحتية متقدمة للاتصالات وتقنية المعلومات لاكتسابها قدرة على التنافس، وجذب الصناعات القادرة على خلق اقتصاد قائم على المعرفة. ويبدو أن هنالك علاقة واضحة بين التحضر والثورة المعلوماتية، إذ يساعد التحضر السريع على استدامة المدن، ويضيف مجموعة من التحديات على مستوى المدينة بما في ذلك التوسع في الفقر، والضغط الاجتماعي، التلوث الحضري ونقص الموارد الطبيعية. وهذا بدوره يزيد من الطلب على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، ولا سيما في البلدان ذات المستويات الدنيا من الدخل المتوسط ​​اذ تشهد زيادة في معدلات التحضر فيها ، لذا تحتاج كل مدينة إلى تبني حلول لمواجهة ظاهرة التحضر السريع وطرق السيطرة علية وفقاً لتقنية المعلومات الحديثة ، وبذلك فان المدينة سوف تدخل عالم التقنيات من حيث تعلم او لا تعلم لحل مشاكلها .ويرى البعض بان مفاهيم ( المشاركة والاندماج والرفاهية ) (3) لا تتحقق الا في ظل مدينة تمتاز بالتكنلوجيا المعلومات في ادارة جميع فعالياتها ومن قبل جميع مواطنيها وبذلك يكون كل نشاط من انشطتها الحضرية على دراية تامة بعمل الانشطة الاخرى بمعنى أدق إن كل مؤسسة يكون نتاجها ظاهر لبيقة مؤسسات المدينة الاخرى بغية ضمان تلبية احتياجات مواطنيها من جانب وخلق بيئة تنافسية بين انشطتها من جانب آخر ، وتأسيساً على ما ذكر يمكن ان نرى المدينة الذكية هي مدينة عصر التقنيات ، بل مدينة المستقبل القريب ، التي تقوم على مبدأ المعلوماتية والفضاء الافتراضي المتاح من قبل شبكة المعلومات الدولية (الانترنت) بمساحاته الافتراضية ومقدار ترابطه مع الواقع القائم لتحقق ترابطاً شديداً بين واقع حالها مع ما متاح من تكنولوجيا للاتصالات العابرة للحدود والقارات، فأنموذج المدينة الذكية يوفر لكل جزءٍ منها رؤية الأجزاء الاخرى بحرية ودقة عالية مما يحقق تكاملاً في الاداء، وبذلك تكون المدينة ومؤسساتها تحت سيطرة المستخدم مهما كانت هويته وجغرافيته، فظهرت تجربة ( المدينة الذكية) التي لا تختلف بالشكل والهيكل عن مدننا التي عرفناها، لكن السر يكمن في اختلاف أنظمتها البنيوية، وقدرتها على تصدير خدماتها ووظائفها الى العالم الافتراضي، فقد بدأت بوادر التكيف الحضري تظهر بوضوح امام تدفق واضح للمعلومات التي يحتاجها الإنسان على مدار الساعة، ويبحث عن تحديثها وابتكار وسائل جديدة لعرضها والتعامل معها ، فخطت بذلك المدينة خطوات سريعة حققت انجازات عظيمة على مستوى التحول والاستجابة من ناحية والاداء والتعامل، وكان لعامل للذكاء الاصطناعي الأثر البالغ في تطور تقنيات المدن الذكية وسرعة تحولها الى العالم الرقمي فأتاح فرص اندماج مؤسسات المدينة الحضرية وانظمتها عبر وسائل الاتصالات المرئية وأصبحت للمدينة شخصية أخرى غير شخصيتها الفيزيائية على الأرضـ بل إن الشخصية الافتراضية للمدينة باتت تحمل صفات جديدة غير صفاتها الفيزيائية، وتمتاز بنوعية بيانات عالية الدقة والمصداقية، ولفهم الفكرة بوضوح، لابد من طرح المبادئ الآتية:
أولاً: فكرة المدينة الذكية
يمكن أن يتمثل المبدأ الذي يجعل من المدينة اكثر ذكاءً واندماجاً بقدرتها على تصدير نفسها عبر الوسائط السريعة لنقل المعلومات، ووسائلها المتنوعة المحكومة بشبكة من المعلومات والتدفقات الرقمية (الانترنت). فإذا استطاعت المدينة اقتحام هذه الشبكة المعلوماتية، وأدخلت الوسائل التكنلوجية – الرقمية في عملها وإدارتها ومراقبتها فقد أصبحت مدينة ذكية بامتياز. أما بخصوص البعد الزماني الذي توفره المدينة الذكية فأنها توفر قواعد بيانتها في كافة الأوقات لليلاً نهاراً وفي العطل وكافة المواسم السياحية وغيرها بالشكل الذي يتيح للمستخدم لاستفادة من الخدمات في أي وقت يشاء(4) فذكاء المدن يقوم على مدى تعاملها من وسائل الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في المجالات الحضرية، وهنا يمكن رسم ملامح للمدينة الذكية ابرزها:
⦁ لها حسابات ومواقع الكترونية متعددة.
⦁ تحقق تواصلاً الكترونياً مستمراً بين المستهلكين.
⦁ جميع بياناتها رقمية ضمن حزم معلوماتية مختلفة.
⦁ تمتلك قاعدة بيانات (حضرية، وسكانية، وتخطيطية …الخ) متطورة ومحدثة.
⦁ تمتلك إدارة رقمية تشرف على عملية التحول الرقمي فيها.
هذه المميزات الرقمية تساعد المدينة على اقتحام العالم الافتراضي بجدارة وسرعة كبيرة، وتمكنها من فرض شخصيتها (الذكية).
ثانياً: لماذا المدينة الذكية؟
تتطلب الإجابة عن هذا التساؤل نسبة من الفهم الواقعي لحاجات الانسان في عصر الرقمنة والتحول المعلوماتي، فبعد أن أصبحت تقنية المعلومات تأخذ بزمام جوانب الحياة المختلفة، وتحكم سيطرتها على كافة أبعاد المشهد الإنساني، لن يكون في مقدور المدينة البقاء خارج هذا المشهد؟ لذا فقد سارع مخططو المدن في انتاج برامجيات وأساليب تخطيط جديدة تواكب تلك التقنيات خدمة لسكانها ومرتاديها، فتطورت خرائطها التفصيلية الى خرائط الكترونية – ذكية عالية الدقة وقابلة للتحديث المستمر عبر برامج متطورة من GIS وتطبيقاته المتنوعة (5)، فضلاً عن تأشير كافة مواقعها ومؤسساتها وأنظمة استعمالات الأرض فيها على هذا النوع من الخرائط وبنظام 3D المدعم بالصور والفيديوهات الحية التي توقف المستخدم على كل جزء من أجزائها بدقة عالية. كما أن تقنية الاستشعار عن بعد Remote Sensing التي توفرها منظومه الأقمار الاصطناعية عبر مجموعة كبيرة من المرئيات الفضائية أصبحت تزود مراكز التحكم والمعالجة، ووصلت دقتها الى أقل من (3سم) في تمثيل المشاهد الأرضية المختلفة، فضلاً عن إتاحة إمكانية طلب أي مرئية فضائية مباشرة ولأي موقع جغرافي متاح ضمن حيزها المكاني، فيما اضافت تقنية نظام الموقع العالمية GPS إضافة نوعية كبيرة في تحديد الأماكن عبر الاتصال بالأقمار الاصطناعية ببرمجيات متاحة في التحرك والوصول والاستعلام عن أي موقع داخل وخارج المدينة وباي وقت. إن تطور انتاج المواقع الالكترونية والحسابات الخاصة بها وامكانياتها العالية فتح شهية المدينة المعلوماتية للنفاذ لهذا العالم الافتراضي الواسع لكي تأخذ مكانها فيه وتندمج مع نظيراتها التي سبقتها في ذلك ، ويمكن القول ان لكل مدن العالم بدأت في هذه المرحلة من التحول الرقمي ولكن بنسب ومستويات متفاوتة تحددها نوعية المدينة وقدراتها الحضرية وسياسة أصحاب القرار فيها الامر الذي يتوقف علية سرعة وصولها وتفاعلها مع هذا العالم الجديد.
ثالثاً: مكونات المدينة الذكية
فرضت ظروف التكنلوجيا المعاصرة الكثير من المتطلبات الجديدة على إقامة مدن اكثر ذكاءً من ذي قبل ولكي تتحول المدينة الى مدينة ذكية لابد من توفر المكونات الاتية: (شكل-A)
1. حكومة ذكية
ويقصد بالحكومة الذكية تمكين اشكال جديدة من الحكومة الالكترونية التي تعتمد أساليب جديدة من الحوكمة والنماذج المتطورة من المحاكاة الافتراضية للواقع وذو إدارة تقنية قادرة على التعامل مع متغيرات المدينة معلوماتياً وتكون هذه الحكومة أكثر شفافية وتشاركية وخاضعة للنقد والمسائلة.
2. بنية تحتية ذكية
وهي عبارة عن نظام معقد وباهض من المتطلبات التقنية الالكترونية من الكيبلات ومحطات إذاعية مرسلة ومراكز ارسال وشبكات عالية الدقة واجهرة كومبيوترية ومكائن التلكس والهواتف والحواسيب ويعرف هذا النوع من الخدمات بـ (الخدمات التليماتية) وغالباً ما تكون تحت سطح الأرض وجميعها تعمل كماكنة كبرى لتصل خطوطها لكل منزل وبناية ومؤسسة (6).
3. تنقل ذكي
يتم التنقل الذكي عبر أنظمة نقل ذكية ومتعددة الوسائط لتحريك وتبادل البيانات واستخدامها والحفاظ على امنها، وتعتمد البنية الذكية للمدن على قوة الاتصال والبث المباشر الذي يتم طريق الالياف الضوئية لنقل البيانات عبر الشبكة التي تحتاج الى نظام تنقل سريع لحزمة البيانات الرقمية بين المستخدم والادرة الالكترونية من جانب، وبين المستخدمين من جانب اخر .
4. مستخدم ذكي
ويراد منه ان يكون المستخدم الحضري اكثر وعياً وابدعا وشمولية بكافة بمتغيرات المدينة الذكية وبنيتها التحتية لتحقيق مبدأ التمكين والمشاركة الفاعلة والاستفادة القصوى من خدمات المدينة المتاحة بما يضمن حقة بالمشاركة في اتخاذ القرار .

رابعاً: برامجيات المدينة الذكية
للمدينة الذكية أدواتها التي تجسد أبعادها على الارض، وهي ليست وسائل تقليدية ميسورة كما قد يعتقد البعض، وإنما هي شبكة معقدة من الأنظمة والبرامجيات المتطورة تعمل بنسق مترابط وفعال لنقل فعاليات المدينة الحضرية من العالم الواقعي (الارضي) الى العالم الافتراضي (المعلوماتي)، بمعنى أدق لا تستطيع أي مدينة أن تكون ذكية ما لم تتمكن من نقل استعمالاتها ووظائفها الحضرية وتحويلها الى بيانات رقمية وصور ومقاطع افتراضية تحاكي واقع الاستعمال على الارض، ولا يتم تحقيق ذلك ما لم يستند الى تقنية رقمية عالية تعينها على تأدية هذا الدور ، لذا فان ادوات المدن الذكية هي عبارة عن برامجيات الكترونية متطورة تعمل على اجهزة الحاسوب الحديثة لها القدرة على تحويل جسم وهيكل ووظيفية المدينة الفيزياوية ( مادية ) الى جسم وهيكل ووظيفة ضمن العالم الافتراضي غير المنظور ومن ابرز هذه البرامجيات ما يلي :
• تقنية الاستشعار عن بعد Remote Sensing
الاستشعار عن بعد هي تقنية الحصول على بيانات وقياسات لجسم أو ظاهرة ما دون مسها فيزياوياً، وتعد الكاميرات وأجهزة مسح الموجات القصيرة وأجهزة قياس الاطياف الكهرومغناطيسية انظمة لجمع المعلومات في هذه التقنية، وتوفر هذه التقنية ( مرئيات فضائية ) عالية الدقة ظواهر سطح الارض كافة بمختلف الاحجام والقياسات والدقة والابعاد وتساعد في الحصول على المعلومات المناسبة لأي بقعة مراد دراستها طبيعية كانت ام بشرية وتؤخذ هذه المرئيات الفضائية عبر مجموعة من الاقمار الاصطناعية التي تدور في المجال الارضي بشكل مستمر لتوفر تغطية كبيرة لأنطقه الارض المختلفة ، واليوم يعول على هذه التقنية بشكل كبير في مجال الاستعمالات الحضرية للمدينة وامكانية توفر بيانات حضرية هائلة عن المدينة ومرافقها المختلفة وفي الكثير من المجالات السكنية والسياحية والترفيهية والنقل وإمدادت الطاقة والتصحر وغيرها وتوفر هذه المرئيات الفضائية صور جوية عالية الدقة وخرائط رقمية صحيحة المسارات والاتجاهات لكافة الاستعمالات الحضرية في المدينة تنشأ عنها محاكاه رقمية لهذه الاستعمالات والمواقع على شبكة الانترنت يتم تحديثها وتطويرها باستمرار توفر رؤية حديثة وعالية الدقة للمستخدم .
• نظام تحديد المواقع العالمية Global Positioning System
وهو من أبرز التقنيات والبرامجيات المعلوماتية المرتبطة بالأقمار الاصطناعية تقوم بتزويد الحواسيب بمعلومات دقيقة عن اي موقع لسطح الارض عن طريق الإحداثيات الموقعية والوقت وتسمح هذه التقنية بربط البيانات بأجهزة قياس المسافات بالليزر وبكاميرات رقمية عالية الدقة ، وتساعد هذه التقنية المختصين في تحديد اي موقع من مواقع المدينة ومنشأتها الحيوية وتنزيله على الخرائط الرقمية بدقة تصل من ( 1-10) متر بل في بعض الاحيان تصل دقة بياناته الى ( 3سم ) وتسهم هذه التقنية في المشاريع الذكية للمدن كونها قادرة على تزويد الخرائط الحضرية بإحداثيات موقعية دقيقة يتم عبرها تحديد أي نقطة على سطح المدينة والتعامل معها رقمياً .
• نظم المعلومات الجغرافية Geographic Information Systems
تعرف على أنها من أبرز التقنيات المعلوماتية التي تتعامل مع بيانات متخصصة تعتمد في عملها أساساً على الحاسوب ، وهي مكونة من برامج وأجهزة تستخدم في تجميع وتحويل ومعالجة وربط البيانات بشكل رقمي ومرتبطة بواقعها الجغرافي ولها القدرة العالية على التعامل مع البيانات بهيئات وصيغ رقمية وخرائطية عالية الدقة ، كما له القدرة على انتاج خرائط رقمية افتراضية لجميع مواقع المدينة واستعمالاتها ولها خصائص عرض استعمالات الأرض في المدينة على طبقات خدمية متعددة (7) ، وهي إحدى الاستخدامات الأولى لتكنلوجيا المعلومات، فتمكن المدن من معالجة كميات كبيرة من البيانات السكانية والطبيعية والديمغرافية والامنية وغيرها ، الأمر الذي يساعد المدينة على عرض استعمالاتها عبر تقنية عالية الدقة وبخصائص تقنية متطورة .
• تقنيات المراقبة والتحكم بالمدينة عن بعد
من خصائص المدينة الذكية أنها قادرة على مراقبة نفسها بنفسها تقنياً عبر شبكة من المتحسسات والكاميرات الرقمية التي تؤمن مستوى مناسباً من الرصد والرقابة والتوجيه على سكانها وأمنها واقتصادها عن طريق مراصد (حضرية، وأمنية ، وتخطيطية …الخ) غايتها رصد واستقصاء حالة المدينة وحركتها وصيانتها على مدار الساعة، وهناك العديد من البرامجيات الخاصة بذلك التي تستطيع التعامل من المتغيرات المكانية التي تحدث في المدينة عن بعد عبر الاقمار الاصطناعية او طائرات موجهه مرتبطة بصالات مراقبة دائمة اعدت لهذا الغرض ، كما يضمن هذا النوع من التقنيات حفظ امن المعلومات الخاصة بالمدينة من العابثين الرقميين والفيروسات وبرامج التجسس والتصنت وغيرها من عمليات القرصنة الالكترونية التي تتعرض لها الكثير من المواقع الالكترونية المرتبطة بمؤسسات المدينة وادارتها .
خامساً: ما الذي يحققه الذكاء الاصطناعي للمدينة؟
يحقق انموذج المدينة الذكية الكثير من المزايا الحضرية المعاصرة أبرزها:
⦁ إحداث تواصل واندماج حضاري سريع مع بقية المجتمعات الإنسانية وبسرعة فائقة لا تتعدى الضغط على زر أجهزة التواصل الاجتماعية المتاحة مما يضمن تطور سريع لواقعها الذي تطمح أن تبرز جوانبه الإيجابية للعالم .
⦁ تحقيق مستوى عال من الشفافية والمصداقية في نقل المشهد الحضري للمستهلك بدون مبالغة او تكهن عبر خرائط الكترونية – افتراضية تعكس من خلالها شخصيتها الحضرية والخدمية لسكانها وزائريها على حدا سواء .
⦁ يضمن ذكاء المدن مشاركة سكانها في صنع القرار التخطيطي لها من خلال تشخيص الأخطاء والسلبيات للمسؤول وعكس الإيجابيات وطرح المقترحات وبعض الحلول المناسبة، الأمر الذي يجعل صانع القرار يعيش في حالة تشاورية دائمة مع المستهلكين لخدمات المدينة .
⦁ يتيح الفضاء الافتراضي للمدن مجالاً ثقافياً واقتصادياً وسياحياً وحضارياً متنوعاً تعرض من خلاله بضاعها وسلعها ومنتجاتها وامكانياتها السياحية عبر سوق متاح ومجاني للجميع .
⦁ يحقق الفضاء الافتراضي حالة كبيرة من المنافسة الخدمية والوظيفية والتخطيطية للمدن مع بقية المدن الذكية الأخرى ، فتتسابق الخدمات في تنوعها وعرضها وإتاحتها للمستهلكين بجو من التنافس الشفاف .
⦁ تخلق المدينة الذكية حالة متقدمة من الوعي المجتمعي الذي يقوم على إشاعة الثقافة المعلوماتية بين سكانها من خلال طرق تعاملهم مع تقنياتها المتاحة وطرق الوصول اليها بما يضمن تحقيق درجة كبيرة من التواصل والاندماج الحضاري مع العالم بأسرة والابتعاد عن العزلة والتهميش الحضاري الذي كان تعانيه العديد من شعوب العالم ما قبل عصر المعلوماتية.
الاستنتاجات:
يمكن أن نستنتج مما تقدم أن فكرة المدينة الذكية هي بالأساس فكرة جديدة جاءت نتيجة التطور التكنلوجي – الرقمي الذي يعيشه عالمنا اليوم بفضل الثورة المعلوماتية التي نتجت من تطور ثورة الانترنت والتي انعكست على مختلف مجالات الحياة وجوانبها الإنسانية ، فلم تبقى المدينة مكتوفة الايدي امام هذا التحول الرقمي الذي شمل المجالات البشرية باسرها ، فأخذت تحث الخطى نحو عالم افتراضي يتيح لها التعبير عن شخصيتها الافتراضية – الرقمية، والذي يحقق المزيد من الاندماج والتواصل العالمي والإنساني بين اكثر من 6 مليارات إنسان يستخدم هذه الشبكة بشكل مستمر، كما يساعدها هذا الفضاء المفتوح على عرض منتجها الحضري بكل ما فيه، وتسويقه للعالم بشفافية وصدق.
المصادر:
(1) Springer International Publishing AG,(2017) ”The Rise of the Smart City ” L.G. Anthopoulos, Understanding Smart Cities: A Tool for Smart Government or an Industrial Trick? Public Administration and Information Technology 22, http://www.springer.com/978-3-319-57014-3 . Pdf.
(2) ISO/IEC JTC 1, (2015) , Smart cities Preliminary Report , Information technology , ISO copyright office ” Published in Switzerland”.

(3) Gamal Eid, Karim Abdelrady, Mohammed Al-Taher, Abdou Abdelaziz ” (2015) Turn_around_and_Go_back (Internet in the Arab World) ”, The Arabic Network for Human Rights Information, Cairo. Pdf.

(4) Moss M. & Townsend A.,(2000) “How telecommunications systems are transforming urban spaces”, UK.

(5) M. Evren TOK, Maha Al MEREKHI, Hanaa Al GHAISH , Fatima MOHAMED ALI(2014)”SMART CITIES IN QATAR AND UNITED ARAB EMIRATES , A COMPARATIVE ANALYSIS ” The Journal of Academic Social Science Studies , International Journal of Social Science , Number: 30 , Winter. Pdf
(6) Schular . R .E.(1992) Transportatinon and Telecommunications , network Planning Urban in Frastructure for the 21st , Century Urban studies 29 .
(7) ثائر مظهر العزاوي (2008) مدخل الى نظم المعلومات الجغرافية وبياناتها، دار حامد للنشر والتوزيع، الاردن، عمان.