الفكر السياسي للإمام الكاظم عليه السلام

م.م. زينب محمد ياسين عبد القادر
كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم الجغرافية التطبيقية

من المفيد تقديم تعريف لمفهوم الفكر السياسي على نحو عام قبل الحديث عن الفكر السياسي للإمام الكاظم – عليه السلام –، ويدل مفهومه على أنه: “مجموعة من الأفكار والمبادئ التي ترتبط بتنظيم الحكم وتوجيه الشؤون السياسية والاجتماعية في المجتمع، حيث يعكس الفكر السياسي الرؤية المتعلقة بالحكم والسلطة، ويسعى إلى تحقيق أهداف معينة تتعلق بالعدل والمساواة والحرية والرخاء” (1). وفي ظل مفهوم وظيفة الانسان في الحياة أنها وظيفة سياسية بلحاظ قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)(2) فالمعنى ههنا للخليفة هو السياسي ، ولم يكن الامام الكاظم -عليه السلام- إلا سجينا سياسيا لدى الأنظمة الحاكمة المستبدة، فصراع هارون العباسي معه كان صراعا سياسيا طرفاه سلطتان الاولى سلطة مختاره من الله تمثلت بالإمام والاخرى سلطات تسلطت على رقاب المسلمين.
وفي ذكرى استشهاده -عليه السلام – يقع على عاتق أبناء الأمة الإسلامية فهم الرسالة الكاظمية في الدين حيث يعلمنا سلام الله عليه كيف نكبّر الله لنصغر ما دونه، فلا جلالة ولا سمو فوق جلالة وسمو الله سبحانه وتعالى، كي نعيش وقائع وحقائق ودقائق الفكر الكاظمي بعيدا عن دبق الإسلام الشكلي والتدين العباسي المزيف ولا يداهمنا الفساد ويلاحقنا الاستبداد بمحاصرةٍ من امثال هارون والاستفادة من منهجه السياسي الذي كان من ضمنه مقاطعة الأنظمة المستبدة اقتصاديا على النحو الذي يشابه ما طلبه الامام من (صفوان الجمال) بعدم كري الجمال لصالح السلطة العباسية الحاكمة آنذاك (3).،والدعوة الى التغلغل في أركان النظام الحاكم المستبد لزعزعتها داخليا وعدم الترك المطلق لهم بما يُمكّن من ايجاد فجوة تُضعف السلطة الحاكمة.
في السياق ذاته، لم يألُ الإمام عليه السلام جهدا في دعم حركات المقاومة العسكرية ضد النظام العباسي، كسياسة ضرب السلطة من الخارج واستنزافها في أكثر من جبهة كما حصل في دعمه لحركة (الحسين بن علي الخير) في ثورته المسماة بثورة الفخ (4). فمما ذكرته المصادر أن من كان يزور الإمام من خلص أصحابه يجد في غرفته الخاصة ثلاثة أمور: المصحف والسيف والدرع (5)، أي أن هدى المصحف الشريف كانت تمثل شريان النهج الكاظمي، وان السيف علامة الجهوزية والاستعداد لمواجهة ومقاومة الظلم والاستبداد، اما الدرع فهو رسالة من الامام للإمة بعدم اهمال الأسباب والوسائل التي تمنع الخداع والحذر من غدر الأعداء، وهذا يعني أن الإمام رسم ثلاثة أبعاد لاستراتيجيته السياسية، أولها: البعد الديني من خلال مرجعية القرآن، وثانيها :البعد العسكري من خلال امتلاك القوة والسلاح لتحقيق أهداف الاستراتيجية وحمايتها ، لأن السياسة تحتاج الى قوة عسكرية تتكئ عليها. إن استشهاد الإمام لا يعني نهاية الصراع بين الحق والباطل، فنحن ما نزال في وسط هذا الصراع، صراع القيم والمبادئ والثقافات، فالانتصار فيها يتطلب حكمة وشجاعة وبصيرة وثبات ولا مكان للحياد بين الحق والباطل.
المصادر:

1)خالد فوزي يعقوب المحاسنة، مفهوم السلطة في الفكر السياسي الإسلامي إشكالية المعنى والدلالة، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بدمنهور، العدد 4، البحرين، 2019، ص 1201. 

2) القران الكريم، سورة البقرة، الاية 30، ص 6.

3) أبو العباس احمد بن علي بن احمد ابن العباس النجاشي الاسدي الكوفي، رجال النجاشي: 198برقم 525، يتوفر على الرابط: https://www.hekm.co/History/Post/737

4) رشيد احمد مختار فريد، خضر عبد الرضا جاسم الخفاجي، الدور السياسي للامام موسى الكاظم عليه السلام مع خلفاء عصره وخواصهم، دراسات تاريخية، العدد 48، بيت الحكمة قسم الدراسات التاريخية، العراق، 2019، ص 23.

5) https://arabic.khamenei.ir/ne