كيف أثرت جائحة كورونا على قطاع الطيران العالمي؟

أ.م.د سلطان جاسم النصراوي
كلية الإدارة والاقتصاد- قسم الاقتصاد

 

تواصل جائحة كورونا منذ 7 شهور التسبب في خسائر فادحة لنظامنا الاقتصادي والاجتماعي والصحي وخسائر في الأرواح على نحو لم يشهده العالم منذ زمن بعيد قد يتجاوز الــ 100 عام.
وبينما تستمر الجائحة في فرض المزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن قطاع الطيران العالمي هو أحد أكثر القطاعات تضرراً بسبب توقف الأنشطة الاقتصادية والسياحية والتجارية.
فعلى المستوى الدولي يبلغ ناتج قطاع الطيران المدني نحو (2.7) ترليون دولار (ما يقارب 3.6% من الناتج العالمي) ويوفر (65.5) مليون وظيفة حول العالم سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر, بخلاف الوظائف الأخرى المستحثة (Induced) في سلاسل التوريد العالمية، كما يسهم بنقل بضائع تُقدر قيمتها بما يقارب (6) ترليون دولار سنوياً. أما في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية فإنه يوفر تقريباً (2.4) مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة, ويسهم بنحو (130) مليار دولار في النشاط الاقتصادي (تقريباً 4.4% من الناتج الإجمالي للمنطقة)().
وقد انعكست إجراءات التباعد الاجتماعي وتوقف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي اتبعتها الدول لمواجهة الجائحة بشدة على أداء قطاع الطيران، وأصيب هذا القطاع بشلل تام، وتعرضت أسهم شركات الطيران العالمية الكبرى لضغوط قوية ومُنيت بخسائر فادحة في الأسواق المالية. وبحسب مؤشر ستاندرد آند بورز500 Standard & Poor’s Corporation)) انخفضت أسعار الأسهم لشركات الطيران في الأسواق العالمية بما يقارب (٪45)، إذ انخفضت أسهم شركة يونايتد إيرلاينز United Airlines بنحو (٪58) وأسهم مجموعة أمريكان إيرلاينز American Airlines بنحو (٪33) وبالمثل بالنسبة لأسهم الشركات الأوروبية، إذ فقدت شركة AIG (25%) من قيمة أسهمها وفقدت وشركة Ryan air نحو (٪18) وشركة IZJ ما يقارب (17٪) والحال نفسه بالنسبة لمجموعة Air France Group KLM. من ناحية أخرى يشير مؤشر داو جونز الدولي للنقل والشحن الجوي إلى وصول المؤشر الى أدنى مستوى له خلال الربع الثاني من عام 2020().
وفي سياق الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدول وإعلان حالة الطوارئ والاغلاق الجزئي والكلي لمختلف الأنشطة وتوقف وتعليق أغلب الرحلات الجوية لمواجهة تفشي الفيروس، مٌنيت شركات الطيران حول العالم بخسائر مادية فادحة، ويوضح لنا الجدول الآتي تفاصيل عن ذلك.

يتضح من خلال الجدول حجم الأضرار التي تكبدها قطاع الطيران، إذ تشير الإحصاءات إلى انخفاض كبير في عدد المقاعد بلغ نحو (%92) خلال الربع الثاني من عام 2020 بالمقارنة مع عام 2019, ومن المتوقع أن يتراوح انخفاض عدد المقاعد ما بين (%49) الى (%51) كمتوسط للعام 2020, ونحو (%24) إلى (%44) خلال الربع الأول من العام 2021.
في حين انخفضت اعداد المسافرين بنحو كبير جداً لتصل الى أدنى مستوى له خلال الربع الثاني من عام 2020 لتصبح (1.044) مليار مسافر. وبالرغم من عودة النشاطات الاقتصادية والاجتماعية وعودة حركة الطيران حول العالم إلا إنه من المتوقع أن يستمر الانخفاض في اعداد المسافرين ليصل الى نحو (626) مليون مسافر خلال الربع الأول من العام 2021.
أما بالنسبة للإيرادات والعوائد فتشير البيانات إلى تكبد شركات الطيران خسائر بلغت (136) مليار دولار خلال الربع الثاني من العام 2020, ومن المتوقع أن تصل الخسائر إلى ما يقارب (393) مليار دولار كمتوسط للعام 2020، وكذلك استمرار الخسائر خلال الربع الأول من العام 2021.
وفيما يتعلق بالنقل والشحن الجوي والذي كان يُعاني قبل الجائحة بسبب التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية فقد تأثر هو الآخر, ولكن بشكل أقل نسبياً, بسبب السماح للشركات بنقل البضائع والسلع في سياق الحاجة الماسة لها. ومع ذلك تشير البيانات الى تراجع بلغ نحو (16.6%) بالمقارنة مع العام 2019().
وعلى المستوى الاقليمي والجغرافي، كانت الدول الأوربية هي الأكثر تضرراً من تداعيات انتشار الجائحة، إذ تراجعت الحجوزات بما يقارب (%80) وفقدان ما يقرب من (113) مليار دولار من إيرادات شركات الطيران وفقاً لبيانات اتحاد النقل الجوي الدولي(AITA). وكانت شركات الطيران النرويجية Norwegian Air الأكثر تضرراً, إذ تراجعت بنسبة (%71) تلتها شركة الطيران الفرنسيةAir France (KLM) بنسبة (%40) ثم الألمانية Lufthansa بنسبة (%30.2). وقد عمقت هذه التراجعات من زيادة حجم الديون لهذه الشركات خلال الربع الثاني من عام 2020. وارتفعت ديون شركة الطيران الألمانية Lufthansa بنسبة (12.4%) وشركة الطيران الفرنسية الى(7.7%)().
أما في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية التي تتميز بموقعها الاستراتيجي بوصفها ممراً جوياً يربط بين قارات العالم، فقد واجهت شركات الطيران فيها ضغوطات كبيرة، وقد أشار الاتحاد الدولي للنقل الجوي إن دولاً مثل(السعودية والإمارات ومصر والمغرب وتونس وقطر والكويت وإيران والجزائر) والتي يلعب فيها قطاع الطيران دوراً مهماً في اقتصاداتها قد فقدت نحو (123) مليون مسافر في العام 2020, مما ترتب عليه فقدان نحو (20) مليار دولار من عائدات نقل الركاب والشحن الجوي, إلى جانب اضرار في اقتصادات تلك الدول قد تصل الى ما يقارب (65) مليار دولار, فضلاً عن فقدان (1.5) مليون فرصة عمل((.
وبالرغم من عودة حركة الطيران بشكل جزئي خلال المدة القليلة الماضية إلا إن ثقة المستهلك والطلب على الطيران تبقى أقل من المتوقع. وتشير التوقعات إلى إن هذا القطاع بحاجة الى خمس سنوات من أجل العودة الى مستوى ما قبل الجائحة. وتحتاج صناعة الطيران الى مجموعة متنوعة من الإجراءات تتراوح بين عمليات انقاذ وتقديم قروض واعفاءات ضريبية. كما تؤكد الإحصاءات والتقديرات وجود الحاجة الى مساعدات وحزم انقاذ قد تصل إلى (200) مليار دولار لتنجو من أزمة فيروس كورونا. وستظل شركات الطيران ضعيفة, وبحاجة الى مساندة حتى بعد انتهاء الجائحة.
وعندما يعود قطاع الطيران الى العمل مرة أخرى بشكل كامل فإنه سيواجه الكثير من الأسئلة، من قبيل كيف سيعاود العالم السفر؟ وهل ستعود الوظائف التي تم فقدانها بسبب الجائحة؟ وكيف سيكون تعافي قطاع الطيران والنقل الجوي؟
ولكن ما نعلمه لغاية الآن إن الجائحة أدت وعلى نحو مؤلم إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية لقطاع الطيران مثل ارتفاع حجم الديون وتسريح الآلاف من العاملين، وتراجع حجم الإيرادات المالية.