الآياتُ الاجْتماعيّةُ فِي القُرْآنِ الكَريْمِ دراسة فِي ضَوْءِ اللِّسَانِيّاتِ النَّصّيَّةِ

اطروحة دكتوراه

اسم الباحث : عدي فاضل عباس

اسم المشرف : مكيّ محيّ عيدان الكلابيّ

الكلمات المفتاحية :

الكلية : كلية التربية للعلوم الانسانية

الاختصاص : اللغة العربية واَدابها / اللغة

سنة نشر البحث : 2021

تحميل الملف : اضغط هنا لتحميل البحث

الخلاصة

يُعدّ القرآن الكريم قطب رحى الثقافة العربيّة الإسلاميّة ومركز الدائرة المعرفيّة للعرب والمسلمين، فمنه تكوّنت ثقافتهم ومن معينه نُهلت معارفهم؛ ولذلك يَعدّ الكشف عن مضامينه كشفًا عن إنتاج المعرفة العربيّة الإسلاميّة، ولكونه يحمل بين طياته خطابات متعددة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغير ذلك، فقد تعددت مضامينه وتنوعت بتعدد مخاطبيه وتنوعهم، وبهذا صار وجهة العلماء، ومطلب المفسرين والدارسين؛ كونه منبعهم الأوّل في وضع لبنات المجتمع الجديد.
ومن الموضوعات والمفاهيم التي عالجها القرآن الكريم العلاقات الاجتماعيّة، وحقوق الجماعات والأفراد وتنظيمها وتبيان عللها في بناء نصّيّ مُحكم يشعرك بالتكامل واتساق بنائه وتظافر دلالاته.
لَقَدْ كان ميدان الدراسة هو الآيات الاجتماعيّة التي يقع أغلبها في المعاملات التي عالجت قضايا اجتماعية متعددة مثل: (الزواج، والطلاق، والبيع، والشراء، والميراث، والأنساق الثقافيّة، والأخلاقيّة، والاجتماعيّة الأخرى)، وعالجتها في ضوء اللسانيّات النّصّيّة؛ فشكلت الموضوعات تماسكًا نصيًا وان تباينت الأغراض والأساليب بين تراكيبها، فجاء العنوان موسومًا بـــ: ( الآيات الاجتماعيّة في القرآن الكريم دراسة في ضوء اللسانيّات النّصّيّة ).
لقد شكلت الدراسات اللسانية منعطفًا مهمًّا في دراسة اللغات البشرية وتحليلها، إذ تعددت المدارس اللغوية في نظرتها للغور في بحر اللغة، فجاءت البنيويّة ثم التحويليّة ثم التداوليّة، ولم يتوقف البحث اللساني عن إيجاد نظرية أقدر على استيعاب معرفة الظواهر اللغويّة، وتحليلها إلى أن انتهى إلى نظريّة شاملة مثلت نقلة في المناهج اللسانيّة الحديثة، إذ جاءت اللسانيات النّصيّة بوصفها فرعًا من فروع علم اللغة ينماز بنظريته الشاملة، إذ شكل فيه التحول من نحو الجملة إلى نحو النّص فارقًا كبيرًا تجاوز فيه النظرة المقتصرة على دراسة الجملة وتحليلها إلى الوقوف على الجوانب المتعددة المتعلقة بالنّص نفسه وبمنتجه ومتلقيه وسياقه الذي يحيط به.
فكانت الدراسات التي قدمها (فان دايك) الأساس الذي نهض بلسانيات النص إلى مصاف النظريات المتكاملة في تناول اللغة بنظرة أشمل وأدق وأعمق، وتعد الدراسات التي قدمها عالم اللغة (دي بوجراند) من أفضل ما انتهت إليه لسانيات النص في تحديد المعايير التي بوساطتها يتم معرفة تحقق “النصانية” من عدمها في النصوص اللغوية، فاقترح في نظريته سبعة معايير هي: (الاتّساق، والانسجام، والقصدية، والمقبولية، والإعلامية، والمقامية، والتناص) التي تتأزرُ مُجتمعة للوصول إلى كُليةِ النّص.
وقد اقتضت طبيعة بحثي هذا أنْ يقع في ثلاثةِ فصولٍ صدّرته بتمهيد وقفّيته بخاتمة، تحدّثت في التمهيد عن اللسانيّات النّصّيّة والخطاب الاجتماعي: المفاهيم والحدود، وتطرقت فيه إلى نشأة اللسانيات النّصيّة، وتحول الدرس اللسانيّ من نحو الجملة إلى نحو النّص، ثم اللسانيّات النّصّيّة الحديثة عند الغرب والعرب، ومفهوم اللسانيّات الاجتماعيّة، ووقفت عند الخطاب الاجتماعيّ في القرآن الكريم، أمّا فصول الدراسة فلم تخرج عن طبيعة الدراسة النّصيّة، إذ التزمت تنظيرًا وإجراءً بالمفاهيم النّصيّة التي نظّر لها واضعوا هذا العلم.
أمّا الفصل الأول فجاء موسومًا بـ (الاتّساق النّصّيّ في الآيات الاجتماعيّةِ) وقد عُنِي بمبحثين، المبحث الأوّل خصص لفحص الاتّساق النحويّ وعالجت فيه: (الإحالة، والحذف، والاستبدال، والوصل)، وكيفية عملها ومساهمتها في ترابط النّص وتناميه مشفوعة بالنّصوص التطبيقيّة من الآيات الاجتماعيّة.
وأمّا المبحث الثاني فقد اتجه لتفحص الاتّساق المعجمي وعالجت فيه أثر وسائله في ترابط النّص من (التكرار بأنواعه، والمصاحبة المعجميّة ووسائلها).
وأمّا الفصل الثاني فقد كان بعنوان (الانسجام النّصّيّ في الآيات الاجتماعيّة)، واشتمل على مبحثين، تناولت في المبحث الأوّل العلاقات الدلاليّة بتقسيماتها المتعدّدة: (علاقة الاجمال والتفصيل، وعلاقة التوضيح، وعلاقة التتابع، وعلاقة الإضافة المتكافئة، وعلاقة الشرط والجواب، وعلاقة السؤال والجواب، وعلاقة العموم والخصوص، وعلاقة التذييل، وعلاقة الاستثناء، وعلاقة التقابل، والعلاقة السببيّة)، مبينًا مقدار تأثيرها في انسجام النّص مشفوعة بالتطبيقات التي تبرز ذلك.
وأمّا المبحث الثاني فقد كان بعنوان (مظاهر الانسجام في الآيات الاجتماعية) وقصد إلى تفحص أهم مظاهر الانسجام، وهي: البنية الكلّيّة (موضوع النّصّ) وترتيب محتوى النّصّ، والتغريض وعلاقته بما جاء من مفاهيم وأفكار، وكيفية معالجتها داخل النّصّ.
وأمّا الفصل الثالث فجاء منتظمًا بعنوان: (المعايير النّصّيّة الخارجيّة) أو الاتمامية؛ لأنَّ بها يتمّ النّصّ، وتتحقّق الفاعليّة التواصليّة الانجازيّة، واقتضت طبيعة البحث أنْ يُقسّم على مبحثين: المبحث الأوّل يضمّ (القصديّة وكشف معيار القصدية مقاصد الآيات الاجتماعيّة، والمقبوليّة وكان خلاصة للمعايير النّصيّة المتقدمة، ومدى تحققها في النّص)، والمبحث الثاني يضمّ (المقاميّة وبين أسباب النزول والنسخ والمنسوخ والسياق الدلالي في كشف الجوانب المتعلقة بظروف انتاج النص، والإعلاميّة وبيّنت فيه مراتب الإعلامية ووسائلها في رفع كفاءة النّص).
ثُمَّ ختمتُ الفصول بخاتمةٍ تضمّنت أهمّ النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث، وأتبعتها بثبْتٍ للمصادر والمراجع.
وقد أفدت في هذه الدراسة من مصادر اللغة والتفاسير قديمها وحديثها، ولا سيما مؤلفات الدرس اللغوي النصي، فضلا عن المراجع التي اختصت بالقضايا الاجتماعية.
وطبيعة البحث تقتضي أنْ يكون المنهج المتبع في هذه الدراسةً هو منهج التحليل النّصي لبعض نماذج الخطاب الاجتماعيّ في القرآن الكريم، ثمّ شرحها وتفسيرها في ضوء اللسانيّات النّصّيّة، وتطبيق المعايير الحديثة على أهمّ مصدر من مصادر اللغة العربيّة ألا وهو القرآن الكريم؛ ليدلّ على أنَّ اللغة العربية استوعبت كلّ النظريّات الحديثة، وهذا يدل على حيويتها وحركتها المستمرة.
مع الإشارة إلى أنَّنا ارتأينا عدم الخوض في المعيار السابع (التناص)- بحسب مفهومه ومعناه- ؛ إذ يُعد من إشكاليات الدراسات القرآنية، فالقرآن الكريم نص إلهي يتعدى كونه بناءً لغويًا ذا دلالات إضافية، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النساء:82)، ومن ثمَّ فإنَّ له من الخصوصية والقداسة ما يجعله مغايرًا لجميع الأشكال البديعية التي عرفها العرب، وهو القائل في وصفه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر:9)، والتناص غالبًا ما يرتبط بثقافة القارئ ووعيه، وهذا الارتباط يتطلب من وجهة نظر التناصّيين (موت المؤلف، وانتفاء القصدية)، فخشينا أنْ تذهب بنا المسالك إلى القول بحاجة القرآن إلى ما يتناص معه فنكون بذلك قد قلنا شططًا، فضلًا على أنَّ تركه لا يُعدُّ نقصًا أو مثلبة بالبحث.
ولعلّي هنا بحاجة إلى أن أنوّه على عددٍ من الموضوعات الرئيسة التي احتكمت إليها هذه الدراسة ومنها أنّها قد اختصرت بعض أسماء الكتب في الهوامش كتفسير الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، باسمِ: (الميزان) والكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري ليكون باسمِ: (الكشّاف) فقط لشهرتها، وغيرها من الاختصارات التي حاولنا فيها عدم إرهاق الحواشي بالأسماءِ الطويلةِ.
فضلًا عن ذلك فقد تكررت في البحث بعض الآيات، وقد تأتّت هذه المسألة لكون دراسة الآيات في معيار معين تختلف عن دراستها في معيار آخر؛ ذلك أنَّ كلَّ معيار يقف على النّص من زاوية معينة، وهو ما تجلى في فصول هذه الأطروحة.
وتكمن أهمية اختيار هذه الدراسة في خدمة النّص القرآنيّ، وتوضيحه، والإسهام في ميدان التطبيق في علم اللغة النّصي، مع ملاحظة أنَّ هذه الدراسة تعدُّ امتدادًا للدراسات النّصية السابقة؛ إذ برع الكثير من الباحثين في الدراسات النّصيّة القرآنيّة، وما كان لنّص إنْ حاز على درجة عليا من الخاصية النّصية مثل الذي ينماز بها النّص القرآني، فقد وقع الاختيار على عيّنة من آياته المباركة، وهي (الآيات الاجتماعيّة).
ولا يخلو أي عمل من صعوبات تعترض الباحث وبحثه؛ وما زاد منها أنَّه في القرآن الكريم، ومعلوم ما له من خصوصية، وقداسة، وما يتطلب ذلك من دقة وتأنّ، وصعوبة تحليل النصوص القرآنية، إذ قد يؤدي التحليل إلى تحميل النص ما لا يحتمله، وهذا أمر به حاجة إلى حذر شديد ودقة بالغة، أضف إلى ذلك صعوبات تمثلت بكونها قد اختصت باتجاه لغوي حديث، مما قد يتجلى عنه بعض الإشكاليات عند معالجة هذه النصوص القرآنية، فالخوض في الدراسات اللسانية يكتنفه الغموض والتداخل وتعدّد الآراء، فضلًا عن مشاكل الترجمة وكثرة اختلافها، إلّا أن الدراسة اتخذت منهجًا وسطًا في الآخذ بالأنسب منها مع طبيعة اللغة العربية.
وبعد … فاني لا أدعي لهذه الدراسة كمالًا، فالنقص سمة امتاز بها الانسان، والكمال لله وحده، فلقد بذلتُ ما بوسعي في هذا الجهد المقلّ من أجل أنْ يكونَ هذا البحثُ ثمرةً جديدة في جامعتي وكلّيّتي، تهتمّ باللسانيّات النّصّيّة والنّصّ القرآنيّ، ولئن لم ينضجها البحث والتنقيب، فإنَّ أملي أنْ ينضجها النقد والتعقيب، ويسعدني أنْ أقف على ما قد يَقَعُ في هذه الدراسة من زلّات، وأنْ أعرف ما قد يرى فيها الأساتذة العلماء الكرام الذين أطرحها بين أيديهم من هَنَات عساني أوفّق لاستدراكها.
وإنْ كان ثمة خاتمة لهذه المقدمة فينبغي لي أنْ أسجّل العرفان خالصًا لمن كان له فضل كبير عَلَيَّ في رحلتي وما أحيط بها ويعتريها من صعوباتٍ وعقباتٍ ذللّها بصدرٍ رحبٍ وتوجيه تربويّ علميّ، وملاحظ قيّمةٍ وسديدةٍ طوال مدّة إعداد الأطروحة أستاذي المفضال (أ. د. مكي محيّ عيدان الكلابي) فلطالما أسهر الناظر وأجهد الخاطر، فجزاه الله عنّي خيرًا وسدّد خطاه خدمة للغة العربيّة ودارسيها.

 

Social verses in the Holy Qur’an, a study in the light of textual linguistics

Abstract

Linguistic studies in the mid-twentieth century represented a qualitative scientific movement in dealing with the linguistic lesson from a more comprehensive perspective, as it went beyond the narrow framework of “towards the sentence” in analyzing linguistic phenomena to a way that expanded to include the integrated study of the text. This study came under the guidance of textual linguistics and its application to the most important source of the Arabic language, and the holiest book, which is the Noble Qur’an, which occupies a prominent position in the Arab and Islamic cultures. Therefore, revealing its contents is a disclosure of the production of knowledge, and a statement of the social aspect in it, according to the textual standards proposed by (Robert de Beaugrand), through which we prove that the Qur’an was created for all times, and this shows us the extent to which the Arabic language accommodates all modern theories, and this is good Evidence of its constant movement and high dynamism that it possesses.
In its sources, the study relied on the extensive literature of textual linguistics that enriched the message with diversity, and enriched it with many ideas. The study did not stray from the linguistic efforts of Arabic linguists in various grammatical and rhetorical fields.
Textual linguistics was characterized by the cognitive overlap of the different sciences in formulating their textual foundations and standards. Accordingly, the study took into account the seven textual criteria (consistency, consistency, intentionality, admissibility of the predicate and media, and intertextuality), noting that the study excluded the criterion of (intertextuality) from the research; Because there is no external intertextuality that rises to the Qur’anic text and its heavenly discourse preserved with the protection of God Almighty; Subject to the six criteria; Because of its importance in understanding the different aspects of the text, whether at the level of the linguistic material in its syntactic aspect (consistency) or its semantic aspect (consonance), or at the level of textual criteria related to outside the text (completeness): some of them are related to the text product (intentionality and acceptability), and some are related to Recipient of the text (maqamic and media). The study was divided into three chapters, taking into account the six textual criteria in dealing with the structural, semantic and pragmatic topics, and the study ended with a set of facts that were made in conclusion as a result of applying the theory of textual linguistics according to an analytical approach to the phenomena of the text in “Social Verses in the Holy Qur’an”.