ا.د. عدي حاتم عبد الزهرة المفرجي
جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم التاريخ
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام معلم شامل وداعية ورجل دولة، وله وجهة نظر محترمة في علم التاريخ، ومنهجه مفيد للطلبة والباحثين وكل من يريد التعلم من درس التاريخ وتجاربه الأمم ، فهو رجل رسالة وحاكم حريص على أن يدخل في وعي أمته التي يحمل مسؤولية قيادتها نظرة إلى التاريخ تجعله قوة بانية لا مخربة ولا محرّفة(1).وقصد من ذلك تحقيق الفائدة المرجوة من دراسة التاريخ.
كان الإمام علي (ع) يدعو الى الالتزام بالحرص عند مقاربة الحوادث التاريخية، فذلك بمثابة درع حصين للمؤرخ لكي لا يتغلغل العدو من باب التاريخ ليهدم تراث الأمة ويحرف عقول المسلمين، وذلك حين يلبسون لهم الحق بالباطل والصواب بالخطأ(2). ومن اللافت في فكر الإمام علي عليه السلام عندما وصف المؤرخ (برجل الرسالة) وهو الاستعداد الدائم في هذا المجال لأجل أن يجعل المسلمين على معرفة كاملة بالإسلام وفي حالة وعي متجدد وتام لحقيقة الإسلام ، ليكون المسلم المستنير بالمعرفة في حصانة من الحيرة والتضليل، وعلى بينة من أمره، وليكون الإسلام بمنجاة من التشويه والتحريف، ويكون كل مسلم مستنير ديدبانا على دينه الذي هو معنى وجوده وشرف وجوده ومن هنا كان عليّ عليه السلام في حركة تعليمية دائمة لمجتمعه وخواص أصحابه الذين كانوا علماء ينشرون علمهم ووعيهم بين الناس بالحديث والخطابة وحلقات الدرس والتعليم(3).
ووصف علم التاريخ بانه أبو العلوم وهذا ما أشار اليه الإمام علي عليه السلام مسبقاً عندما أكد على أهمية أن يكون المؤرخ امتمكناً من معارف وخبرات في ميادين أخرى مجاورة للتاريخ، كالمعرفة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والعمل على اخراج مكنونها من الدرر في حياة المجتمعات وفكر في أفضل الطرق والوسائل التي تنمي حياتها الاجتماعية وترتفع بها إلى ذروة من الرفاهية والوفرة والأمن. ان شؤون الأمة في اقتصادها وحربها وسلمها وعلاقتها الاجتماعية تخضع لقوانين الإسلام، ويجب أن تأخذ سبيلها إلى النمو في اطار إسلامي بحت، وقد هداه تفكيره الى نتائج باهرة في التنظيم الاجتماعي، فالحكم وضرورته والنزعة القبلية وشغب الغوغاء (الانتفاضات والثورات) ونتائجه ودعامات المجتمع ومقوماته والطبقات الاجتماعية وآليتها كل ذلك خصه الإمام بمزيد من البحث والتفكير وطبق النتائج التي اهتدى إليها على المجتمعات الإسلامية ولولا ان أعداءه شغلوه عن التفرغ لمهام العمل السلمي لكسب التاريخ الحضاري للمسلمين مكاسب رائعة(4).
وشجع المؤرخ الاهتمام (بالتاريخ الاجتماعي) والتنبه لأخطار التفاوت الطبقي فإنه لم يغفل أمر الواقع النفسي للإنسان ولذلك لم يكل أمر تحقيق القيمة العليا إلى الإنسان وحده وإنما جعل لها سنداً من القانون ليكون لها من القوة ما يحمل الأغنياء الأقوياء وغير الأغنياء على التمسك بها فشرع الله تعالى أحكاماً تحول دون تكوّن الثروات بطريق غير عادل وغير مشروع – وتحول بين أصحاب الثروات بعد أن تتكون لديهم الثروة بطريق مشروع وبين أن يستخدموها في استغلال الآخرين. ولقد وعى الإمام ان الإنسان الجائع المستغل المحروم المصفد بالأغلال لا يستطيع أن يكون فاضلاً وان من اللغو أن يوعظ بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب ، وأن أنساناً كهذا ينقلب كافراً، كافراً بالقيم والفضائل والإنسان . ووعى ان المجتمع القائم على سيادة فريق وعبودية فريق، وعلى استغلال الأسياد العبيد والأحرار للمصفدين بالأغلال مجتمع لا يمكن أن توجد فيه فضيلة ولا يمكن أن يوجد فيه فضلاء انه ليس إلاّ مجتمع لصوص ومجرمين وعبيد تسير أفراده الأحقاد والمكر والاستغلال(5) .على أساس من هذا الوعي جعل الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام الإصلاح الاقتصادي أساساً للإصلاح الاجتماعي وهذا عكس كبرى مدارس منهج البحث العلمي التاريخي القائم على ان العامل الاجتماعي هو محرك فاعل للوضع الاقتصادي وكلاهما يثمر عن حدث سياسي وبالتالي بروز الحدث التاريخي (6).
مصادر المقال
1 ـ عبد الرحمن الشرقاوي، عليّ إمام المتقين القاهرة ،مكتبة غريب د . ت ، ص 12.
2 ـ المصدر نفسه،ص 13 .
3 ـ المصدر نفسه،ص 14 .
4 ـ المصدر نفسه،ص 15 .
5 ـ المصدر نفسه،ص 17.
6 ـ عباس محمود العقاد، عبقرية الإمام علي ، القاهرة دار المعارف ، ص 6 .