الخطاب الإعلامي بين الحقيقة والوهم: الصورة المرئية واستراتيجيات التلقي

أ.د كريمة نوماس محمد المدني
كلية التربية للعلوم الانسانية
قسم اللغة العربية

لقد حقق الخطاب الإعلامي في الآونة الأخيرة دوراً فاعلاً ومؤثراً في جميع الحقول المعرفية والاقتصادية والصحية والتجميلية، فأصبح ذا مكانة مائزة في الخطابات المعرفية التي ينتجها الإنسان عبر المؤسسات الاجتماعية المختلفة، وقد ارتبط بظهور ثقافة الميديا والصور المرئية التي تعد من الأنساق الثقافية المهمة في عالمنا المعاصر، إذ حققت مكانة مهمة بفعل الاستراتيجيات التي تسهل التواصل مع المتلقين، مما أتاح انتشاراً واسعاً للأفكار والرؤى والاتجاهات والخطابات التي تمكنهم من تحقيق غاياتهم التي تضمر بدواخلها مقاصد مختلفة. ولعل من أبرز العوامل المؤثرة في استجابة المتلقين هي ثقافة الصورة البصرية – المرئية، إذ أصبح للصورة البصرية حضوراً فاعلاً بسبب انتشار وسائل الميديا والتقنيات البصرية الحديثة، وبفضل تقدم الحياة الرقمية صارت الصور والأشكال تمثل جانباً مهماً في توصيل الأفكار والمعلومات(1). ولهذا تعد الصورة وسيلة مهمة في خلق عناصر التفاعل الثقافي، وجذب اهتمام المتلقين حسبما تقتضيه الثقافة البصرية، إضافة لذلك فهي تمثل نقلة نوعية لصناعة الوعي الثقافي وتشكيله وتوجيهه بما يتلاءم مع أهدافها ومقاصدها(2) .
وهنا تبرز أهمية الميديا الرقمية – البصرية ونسقية حضورها في المجالات العلمية والإنسانية المختلفة لمعالجات صور حيوية من حيز الواقع الحياتي المعتاد، والتي تعرض بشكل صوري رقمي، وكأنك أمام مشاهد سينمائية مجسدة بصرياً. إنها تؤدي دورها التحفيزي البصري في مقبولية وسرعة استجابة، فترتسم المشاهد بعدسة الكاميرا، أو أجهزة الحاسوب المتطورة .
وهكذا باتت هذه الخطابات الإعلامية تحتل مساحة واسعة في المشاهد الحياتية حتى إن كان محتواها فارغاً، وغير ذي جدوى، كإعلانات الموضة، والمطاعم، والمراكز التجميلية وغيرها، مما يمكن أن يُعرف بخطابات التفاهة الإعلامية البصرية. وأجد أن من المفيد أن توظف أساليب التعليم هذه “الثقافة البصرية – المرئية” في الحقول المعرفية، لاسيما الإنسانية منها، فمن شأن ذلك أن يعزز رغبة واستجابة الطالب لمتابعة مقررات مناهجه التعليمية أكثر مما هو عليه الآن. ويمكن – في هذا الصدد – الإفادة من المقترحات الآتية:
أولاً: ضرورة أن تكون للأستاذ قناة يوتيوب خاصة به، يعرض فيها شرحه للمواد التي يقوم بتدريسها، حتى يفيد منها الطلبة بشكل أيسر وأنفع.
ثانياً: تعرض في تلك القناة بعض المواد المنهجية التي يحتاج شرحها جهداً كبيراً من الأستاذ، ويتطلب فهمها تركيزاً من الطلبة، كتدريس مواد العروض والبلاغة والأدب في أقسام اللغة العربية بطريقة العرض البصري – الرقمي، وتقديم المواد المقررة على شكل ايقونات رقمية، يسهل على الطالب استيعابها عبر أجهزة الحاسوب، أو الهواتف الذكية. وهناك دراسات كثيرة عن ذلك، منها مثلاَ دراسات عن القصيدة الرقمية – التفاعلية، والبلاغة الرقمية وغيرهما .
ثالثاً: جعل ثقافة الأستاذ والطالب ثقافة بصرية، عبر تشجيع النشاطات التي يشارك بها بعض الطلبة الموهوبين، وتحويلها الى صور بصرية كالروايات، والشعر، والمسرحيات، وهكذا في سائر النشاطات الأخرى .
رابعاً: الميل لتحقيق ثقافة التمثيل الرقمي بعده وسيلة مهمة، وايقونة جديدة فاعلة متميزة لكسب التفاعل مع الآخرين، فهو تكنلوجيا إعلامية متكونة من مجموعة ممتزجة من الصور، والأصوات، والرسوم الثابتة والمتحركة، والمقاطع المختلفة الجاذبة. وهنا يأخذ الخطاب الإعلامي الرقمي دوره الفاعل في تحقيق النجاح، وكسب ثقة واعجاب الجمهور بمختلف مستوياته الثقافية.
خامساً: اعتماد مهارات الأسلوب والقيادة الحاسوبية المتمثلة بقراءة ومعرفة الأنساق الثقافية البصرية والرقمية المرئية وغير المرئية للحوارات، والنشاطات الثقافية، والاعلانات عبر المزاوجة بين وظيفتي التعبيرية والتأثيرية، لتتسع دائرة الجمهور، لاسيما المثقفين منهم، لا أن يتوقف الأمر عند ذوي الاختصاص فقط .
سادساً: الاهتمام بالميديا الثقافية العلمية بدلاً من تسليط ضوء على الميديا التجارية واعلاناتها والترويج لها، وجذب اهتمام الجمهور بالإبداعات والإنجازات العلمية في مختلف التخصصات المعرفية، فهناك مبدعون من ذوي المهارة لا يزالون مجهولين، برغم ما يقدمونه من انجازات علمية وثقافية وبراءات اختراع، بينما يمكن لشخصية واهية تقوم بعرض للموضة أن تحوز على شهرة كبيرة، بسبب الإعلانات البصرية المرئية. مما يوجب إعادة التفكير بضرورة الإفادة الواعية من إمكانات العالم الرحب للتكنولوجيا الذكية.
المصادر:
– ينظر: ثقافة الصورة ودورها في إثراء المتلقي: سعدية محسن عايد، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى.
– ينظر: الصورة في الخطاب الإعلامي: أ.د بشير ابرير، جامعة عنابة، الجزائر.