الجوانب القانونية للتعديل (13) لسنة 2019 لقانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة 1980

د. ايناس هاشم رشيد
كلية القانون

يمثل القانون عنصر التوازن الذي يحتاجه المجتمع لضمان الأمن الاجتماعي، فقواعده القانونية ترمي الى اقامة التوازن بين الحريات المتعددة والمتعارفة والمصالح المتعارضة من أجل تحقيق العدل والاستقرار والنظام. في المجتمع. ويعد قانون التنفيذ العراقي من القوانين المهمة كونه يهدف الى صيانة حقوق الدولة والمواطنين على حد سواء فضلاً عن تيسير الاجراءات للحصول على الحق اذ لا عبرة للحكم دون نفاذه . وفي ظل التطورات التي نشهدها اليوم والتي اتسمت بتعديل بعض القوانين ومنها قانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة 1980 والذي كان التعديل الاخير له رقم (13) لسنة 2019 والذي نشر في جريدة الوقائع الرسمية في 2/9/2019 بالعدد رقم 4553 ولقد تضمن التعديل الجوانب التالية:
1_ الجانب الأول : مدير التنفيذ دائرة التنفيذ : لقد ألغت المادة الاولى من التعديل نص الفقرة ثانياً من المادة الرابعة من قانون التنفيذ الحالي لتحل محلها وكالاتي: ( أ. يدير الدائرة موظف بعنوان مدير عام حاصل على شهادة جامعية اولية في الاقل وله ممارسة قانونية او قضائية في مجال عمل الدائرة لا تقل عن (15) سنة. ب. ويعاون المدير العام موظف بعنوان معاون مدير عام للشؤون القانونية حاصل على شهادة جامعية اولية في القانون وله خبرة قانونية في مجال عمل الدائرة .ج. يعاون مدير العام موظف بعنوان مدير عام للشؤون المالية حاصل على شهادة جامعية اولية في اختصاص عمله وله خبرة مالية في مجال عمل الدائرة).
كما ألغت المادة الثانية من التعديل نص الفقرة رابعاً من المادة السادسة من قانون التنفيذ والتي جاء فيها (أ. يدير مديرية التنفيذ منفذ عدل حاصل على شهادة جامعية اولية وله ممارسة قانونية او قضائية بعد التخرج مدة لا تقل عن (3) سنوات ومجتاز لدورة قانونية في مجال عمل الدائرة مدة لا تقل عن( 4) اشهر. ويحلف منفذ العدل اليمين امام وزير العدل او من يخوله قبل ممارسة العمل) . الى جانب ذلك فقد الغى التعديل امكانية ادارة الدائرة من قبل قاضٍ من الصنف الاول او الثاني مع احتفاظه بصفته القضائية اذ كان الشطر الثاني من المادة الرابعة الملغاة ينص على (( …ويجوز ان تعهد ادارتها الى قاض من الصنف الاول او الثاني)) ، واستند هذا الالغاء الى ان الدستور قد تبنى مبدئين الفصل بين السلطات و استقلال القضاء ، خلافاً لما كان عليه القضاء قبل عام 2003 ،إذ كان يعد من هيئات السلطة التنفيذية ومرتبطاً بوزير العدل.
الجانب الثاني : التنفيذ الرضائي : تضمنت المادة (الثالثة) من قانون التعديل احكاماً جديدة تتعلق بالمدد القانونية للتنفيذ الرضائي فيما يتعلق بدوائر الدولة والقطاع العام، إذ نصت على ((لدوائر الدولة والقطاع العام التنفيذ رضاءً خلال(60) يوماً من اليوم التالي للتبليغ بمذكرة الاخبار بالتنفيذ وتعفى من رسم التحصيل عن الديون التي تم استحصالها من اصل الدين)) .
إذ استبدلت المدة السابقة والتي كانت (30) يوم بمدة اطول وهي (60) يوم, ونرى ان هذه المدة الطويلة ابخست حق الدائن للدولة ، إذ ان حقه سيظل لمدة اطول من السابق ومايترتب على هذا الامر من تبعات تعرقل سير مصالحه الشخصية واستثماراته, الى جانب ماسيصيب الدوائر التنفيذية والمديريات من التكاسل عن اعطاء حقوق الافراد على اعتبار ان المدة التي تخاطب فيها الدوائر الدائنة تكون شهرين من الروتين والاجراءات الرتيبة المتراخية ،الامر الذي يؤدي عدم استقرار المراكز القانونية للمصالح المتعارضة ، خاصة وان مدة التنفيذ الرضائي للشخص الطبيعي لم يتم تعديلها أي بقيت (7) ايام من اليوم التالي لتاريخ التنفيذ .
الجانب الثالث: التنفيذ الجبري : للقد جاء التعديل باجكام جديدة تتعلق بالتنفيذ الجبري فقد نصت المادة ( الرابعة ) منه على : ((تضاف الفقرتان ثالثاً ورابعاً الى المادة (22) وكما يأتي:
ثالثاً: اذا تخفى المدين عن انظار الشرطة يفاتح قاضي التحقيق لإصدار مذكرة قبض بحقه.
رابعاً: في حالة إحضار المدين بعد انتهاء الدوام الرسمي يعرض على قاضي التحقيق لتقرير مصيره)) .
ولقد جاءت هاتين الفقرتين في نطاق اجبار المدين على التنفيذ بعد انتهاء مدة التنفيذ الرضائي ويبدو لنا اعلاه ان التعديل اعطى للمنفذ العدل الحق في احضار المدين جبراً اذا كان له مقتضى بمذكرة يصدرها قاضي التحقيق ،لمنع المدين من اطالة مدة التنفيذ, وذلك بتخفيه عن الانظار وهي وسيلة اخرى تضاف الى الوسائل التنفيذية بالقوة.
وايضاً جاءت المادة السادسة لتلغي نص الفقرة اولاً من المادة (31) من القانون ويحل محله ما يأتي :
اولاً: أ. يكلف المدين بدفع الدين صفقة واحدة وبعكسه يكلف بحصر وبيان امواله المنقولة وغير المنقولة وجميع موارده الأخرى وابداء تسوية للدين تتناسب مع مقداره في نطاق حالته المالية.
ب. يستثنى من احكام (أ) من هذه الفقرة قيمة اثاث الزوجية ويكلف المدين بدفعها صفقة واحدة اذا تبين ان المدين قد تصرف بها.
كما اضيفت فقرة ثالثة للمادة (32) وتقرأ كالآتي:
ثالثاً: اذا رفض المدين تقديم كفيل ضامن لتسديد الدين يفاتح قاضي البداءة لحبس المدين لحين تقديم كفيل ضامن. وكان الاجدر بالمشرع العراقي ان يورد عبارة ( دفعة واحدة) افضل من عبارة ( صفقة واحدة).
الجانب الرابع : تبليغ المدين : جاءت المادة ( الخامسة ) من التعديل بحكم الغى نص المادة (27) من القانون وحل محله ما يأتي:
المادة-27- اذا تحقق للمنفذ العدل من جهات مختصه ان المطلوب تبليغه ليس له موطن دائم او مؤقت او مختار فيقرر تبليغه بالنشر في صحيفتين محليتين واسعتي الانتشار ويعد اليوم التالي للنشر تاريخاً للتبليغ على ان يتضمن الاعلان مضمون المحرر المنفذ وتكليف المدين بالحضور خلال (15) خمسة عشر يوماً من تاريخ التبليغ لمباشرة المعاملات التنفيذية بحضوره, فإذا انقضت هذه المدة ولم يحضر عدَّ ممتنعاً عن التنفيذ وبوشر بالتنفيذ الجبري, ويراعى في التبليغات الأخرى المدد التي نص عليها القانون.)) ومما يؤخذ على هذا الن استخدام عبارة ( واسعة الانتشار ) ودون توضيح معيار هذا الانتشار الواسع للصحيفتين المحليتين ، وهل يشمل هذا الانتشار الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي ؟
الجانب الخامس : وقف التنفيذ وتأخيره: نصت المادة (الثامنة ) من التعديل بحكم جديد هو منع تنفيذ الحكم حتى يكتسب الدرجة القطعية اذا كان المنفذ عليه احدى دوائر الدولة والقطاع العام. ويعد الاستثناء الوارد في التعديل غير متناسب مع مبدأ النفاذ المعجل لبعض الاحكام, فاذا كان الحق المدعى به مما يتلف وهو بذمة احدى دوائر الدولة فلا يجوز التنفيذ عليه الا بعد اكتساب الحكم درجة البتات.
الجانب السادس : . حجز اموال المدين: يعد الحجز على اموال المدين من وسائل الاكراه المالي لإجبار المدين على تنفيذ الحكم, وعَدَلَ قانون التعديل مادتين من قانون التنفيذ تتعلقان بالحجز ، إذ الغت المادة التاسعة الاحكام الواردة في المادة (61) وجاءت بأحكام جديدة, حيث يجب على الدائن طالب الحجز مراجعة مديرية التنفيذ خلال (90) يوما من تاريخ اخر اجراء اتخذه المنفذ العدل, وراجع المدين المحجوز على امواله او الشخص الثالث مطالبا برفع الحجز فعند ذاك يقرر المنفذ العدل تبليغ الدائن للسير بإجراءات الحجز والبيع خلال (60) يوما من تاريخ التبليغ ، واذا لم يراجع الدائن يرفع الحجز بقرار من المنفذ العدل. كما الغى التعديل حكم رفع الحجز بقوة القانون فكان النص القديم يرتب على عدم مراجعة الدائن لمديرية التنفيذ خلال (180) يوما من تاريخ اخر اجراء فان الحجز يُعَدُ مرفوعا بحكم القانون. ويلاحظ على النص الجديد ان مجموع المدد فيه هي(150) يوما بينما كانت في النص القديم (180) يوما, ونرى ان هذه المدة الجديدة هي لحث للدائن على الاسراع باستيفاء حقه, ومن جانب اخر تعطي للمدين الحق في اعادة استثمار امواله بعد رفع الحجز عنها.
الجانب السابع: الاموال التي لا يجوز الحجز عليها : اضافت المادة (10) من التعديل ثلاث فقرات الى المادة ( 63) والخاصة بالأموال التي لا يجوز حجزها او بيعها, وهذه الاموال هي: بدل الوحدة السكنية المصروف لذوي الشهيد وفقا لقانون مؤسسة الشهداء, واشترطت بالنسبة لبدل الوحدة السكنية ان يكون مخصصا للسكن ولم يكن للمستفيد دار سكن على وجه الاستقلال, فمتى ما ثبت ان للمدين دار سكن او ان بدل الوحدة السكنية لم يخصص للسكن فانه يكون عرضة للحجز. وهذا حكم فيه سد للذريعة التي يتذرع بها ذوو الشهيد لعدم التنفيذ على تلك الاموال, كما استثنت كذلك مبلغ التعويض بنفس الشرطين السابقين، وايضاً استثنت كذلك اموال السفارات الاجنبية والهيئات الدبلوماسية, ورواتب الحماية الاجتماعية.
الجانب الثامن : حجز الرواتب والمخصصات: لقد اضافت المادة (12) من قانون التعديل الفقرة ثانياً الى المادة (85), وتتعلق الاضافة بفرض غرامة على الشخص المسؤول عن استيفاء ما لا يزيد عن خمس الراتب والمخصصات للمدين الموظف او الذي يتقاضى اجر, ففرضت الفقرة ثانيا المُعَدِلة غرامة مقدارها (خمسون الف دينار), تفرض على الشخص المسؤول بسبب تأخره في ارسال المبلغ المستقطع, وعند تكرار التأخير يتضاعف مبلغ الغرامة.
ونلاحظ ان هذا الاضافة كانت موفقة جداً خاصة وان بعض الاشخاص المسؤولين عن الاستقطاعات يتأخرون ويماطلون في ارسال المبالغ الى مديريات التنفيذ, الامر الذي استلزم فرض هذه الغرامة على الشخص المسؤول عن الاستقطاع.
الجانب التاسع : بيع العقار: الغى قانون التعديل الفقرة (ثالثاً) من المادة (93) من قانون التنفيذ والتي كانت تنص على ((لا يباع عقار المدين اذا كان مجهول محل الاقامة ولم يتم تبليغه اصولياً وفق القانون)) , واحل محلها حكماً جديداً وهو جواز بيع عقار المدين مجهول محل الاقامة اذا تم تبليغه اصولياً وفق القانون اولاً, وكان الدين محل التنفيذ ثابتا بحكم قضائي مكتسب درجة البتات. ونرى ان تبليغ المدين مجهول محل الاقامة يتم عن طريق النشر في صحيفتين واسعتي الانتشار وهذا يفيد ضمنا تحقق علم المدين بقرار بيع عقاره, كما ان اكتساب الحكم درجة البتات يمنع قيام المدين بالاعتراض على الحكم الغيابي لان مدة الاعتراض على الحكم الغيابي هي عشرة ايام وفقا للمادة(177) من قانون المرافعات المدنية. كما ان الحكم يحوز درجة البتات بمضي المدة القانونية للطعن فيه دون ان يُقَدِم احد الخصوم طعناً تمييزاً فيه.
ومن خلال ما سبق اتضح لنا ان قانون التعديل جاء بأحكام جديدة كان البعض منها يصب في مصلحة حقوق المدين وبعضها الاخر يضمن استيفاء الدائن لحقه, كما تجلى لنا ان التعديل اخذ بنظر الاعتبار التشريعات الجديدة والتي منها قانون مؤسسة الشهداء, واضاف حكماً جديداً يتعلق بالحكم بغرامة على الشخص المسؤول عن استقطاع الاموال من الرواتب والمخصصات وذلك عند تباطئه في ارسال تلك الاموال, ولم يخلو التعديل من فشل في بعض الصياغات تجسد بعدم استخدام المصطلحات القانونية الدقيقة ، ونتأمل ان يتلافى المشرع ذلك في المستقبل.