You are currently viewing ضوابط الاجتهاد الفقهي عند الإمامية في القضايا المعاصرة

ضوابط الاجتهاد الفقهي عند الإمامية في القضايا المعاصرة

م.م زينب حميد كاظم
كلية العلوم الإسلامية

يُعدُّ الاجتهاد ركيزة أساسية في الفقه الإمامي، وقد شهدت مساراته تطوراً عبر العصور لمواكبة ما يستجد في الحياة من قضايا جديدة. ولعل من الضروري تحديد ضوابط للاجتهاد لضمان أصالته. فالاجتهاد ليس مجرد رأي شخصي لمجتهد ما، وإنما هو عملية منهجية مستندة لضوابط شرعية، تكفل صحة الاستنباط.
تمثل الأدلة الشرعية متجسدة بالقرآن الكريم والسنة التي هي قول أو فعل أو تقرير المعصوم “عليه السلام” أهم مصادر التشريع الإسلامي، مما يوجب على المجتهد أن يكون ذا دراية واسعة بعلوم القرآن والحديث وعلم الرجال، وفهم معمق ب”الاجماع” أي اتفاق الفقهاء على حكم شرعي معين، بشرط أن يكون الاجماع كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام)، والا فهو بحد ذاته لا يعتبر مصدراً من مصادر التشريع. ينطبق ذلك على “العقل” أيضاً، الذي يعتبر أداة للفهم و التحليل والربط بين النصوص الشرعية والواقع، من خلال تطبيق القواعد الأصولية والاستنباطية. وإن لم يجد المجتهد ما ينشده في الأدلة الآنفة الذكر يلجأ عندها إلى أصول عملية أخرى كالاستصحاب والبراءة والاحتياط والتخيير، وهي قواعد تطبق في حال الشك وعدم اليقين، لسد الفراغ التشريعي.
كذلك لابد من الاحاطة التامة بموضوع المسألة قبل اعطاء الحكم، وهو ما يعرف بالتصوير الصحيح للموضوع، لذا نجد بان كثيراً من المجتهدين المعاصرين قد نهجوا هذا الطريق ومنهم السيد علي السيستاني –دام ظله-.
إن لهذه الأصول أهمية كبرى، إذ لها القدرة على مواكبة التطورات في القضايا المعاصرة المستجدة، منها في المجال الطبي من زراعة ونقل الاعضاء او الاستنساخ وغيرها، وهنا يعتمد الفقيه على القواعد العامة من السنة كقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار) و( حرمة الاضرار بالنفس او الغير)، ففقهاء الامامية يجيزون مسالة نقل أو زراعة الاعضاء بشروط معينة، أما الاستنساخ فهو محل احتياط. ويتطلب المجال الاقتصادي والمالي من المجتهد فهما دقيقاً وعميقاً للآليات الاقتصادية المعاصرة وتكييفها مع الأصول الاستنباطية والقواعد الفقهية كقاعدة (نفي السبيل) وتطبيق مبدأ (حلية البيع وحرمة الربا).
أما في مجال حقوق الإنسان وقضايا المرأة فقد يعتمد المجتهد على فهم النصوص الشرعية في ضوء التغيرات الثقافية والاجتماعية من خلال التركيز على مبدأ العدل والمساواة في الكرامة الإنسانية، مع مراعاة الفروق الطبيعية والتكليفية. وفي المجال التكنولوجي ووسائل الاتصال الحديثة كاستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، تتطلب هذه القضايا اجتهاداً مستمراً من الفقيه لتحديد الأحكام المتعلقة بالخصوصية والنشر والاستخدامات المشروعة وغير المشروعة لهذه التقنيات، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار الاجتماعية والنفسية لها فمثلاً تُعالج قضايا الجرائم الإلكتروني من منظور الفقهاء بناءً على القواعد العامة المتعلقة بالضرر والإثم. وخلاصة القول إن ضوابط الاجتهاد الفقهي عند الإمامية توفر إطاراً منهجياً متيناً للتعامل مع التحديات المعاصرة، بما يضمن استمرارية الفقه الإسلامي وحيويته في كل زمان ومكان، كما ويقع على عاتق المجتهدين المعاصرين مسؤولية عظيمة في تطبيق هذه الضوابط بوعي وفهم عميق للواقع لتقديم حلول شرعية تخدم الفرد والمجتمع وتساهم في بناء حضارة إسلامية معاصرة تستلهم ازدهارها من خلال أصالتها وقيمها. إن هذا المسعى الدؤوب هو ما يجعل من الفقه الإمامي متجدداً ومواكباً لمتغيرات العصر دون المساومة على ثوابت الدين.
المصادر المعتمدة:
* تهذيب الأصول: السيد الخميني.
* تهذيب الأصول: السيد السبزواري.
* منهاج الصالحين: السيد السيستاني.
* مباحث الأصول: السيد محمود الهاشمي.
* الفقه الإسلامي وقضايا العصر: السيد احمد الصافي.
* أصول الفقه: الشيخ محمد رضا المظفر.
* الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.